ملف تشكيل الحكومة عالق بدوامة الرفض العوني والمفاوضات الإيرانية – الأميركية
لا يبدو في الأفق ما يؤشر إلى حلحلة قريبة في ملف تشكيل الحكومة الجديدة، ومع ان السبب الظاهري لهذا التأخير هو استمرار الخلافات والتباين القائم بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي من جهة،وبين رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري من جهة ثانية، وهو ما تعكسه برودة العلاقات وانقطاع الاتصالات بين المعنيين بعملية تشكيل الحكومة منذ آخر لقاء حصل بين الرئيس عون والحريري بهذا الخصوص، الا انه لا يمكن إسقاط عوامل التدخلات الخارجية والإمعان بربط هذا الملف بالمفاوضات المحتملة التي يجهد النظام الإيراني لإجرائها مع الإدارة الاميركية الجديدة مع جملة القضايا التي سيثيرها أملاً بتوظيفها لمصالحه وتكريس نفوذه، وهو ما عزّزه مسؤول الحرس الثوري مؤخراً وتلويحه باستعمال لبنان كمنصة متقدمة لإيران في مواجهة إسرائيل، بينما لم تُبدّد مواقف حزب الله هذا الرابط أو تتحرك بفاعلية لإخراج ملف التشكيل من دوّامة العرقلة والتعطيل.
ويلاحظ بهذا الخصوص ان الخلاف المستحكم على تشكيل الحكومة المرتقبة ليس مستجداً، وقد بدأ منذ لحظـة إعلان الحريري نفسه بأنه المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة باعتباره الأكثر تمثيلاً، نيابياً وشعبياً عن سائر المرشحين لهذا الموقع بعد اعتذار السفير مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة لتتوالى ردود الفعل الفورية والرافضة لهذا الترشيح وتحديداً من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، الذي تعهد بإعاقة وتعطيل مهمة الحريري بتولي رئاسة الحكومة، ومؤكداً بأنه سيرفض تأييد ترشيحه ولن يسميه وبأنه لن يُشارك بالحكومة الجديدة ومتوعداً بأن رئيس الجمهورية سيرفض التوقيع على مراسيم تشكيل الحكومة العتيدة.
لا مؤشر إلى حلحلة قريبة لتشكيل الحكومة الجديدة وبرودة في العلاقات والاتصالات بين المعنيِّين بالملف
وهكذا تدرجت الأمور في هذا المنحي الاعتراضي، وكانت البداية في تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لمدة أسبوع تحت ذرائع وأسباب واهية وغير مقنعة بتاتاً، بل كان الهدف منها ثني بعض حلفاء باسل عن تسمية الحريري وقطع الطريق نهائياً على تكليفه بهذه المهمة رسمياً، ولكن بعد فشل هذه المحاولة اليائسة وإصرار الأكثرية النيابية على تسمية زعيم «تيار المستقبل» لرئاسة الحكومة العتيدة، وبعدما وجد رئيس الجمهورية نفسه امام الأمر الواقع، بدأت المرحلة الثانية من التعطيل الممنهج لعملية تشكيل الحكومة، تارة بطرح حكومة موسعة، وتارة باتهام الرئيس المكلف بمصادرة التمثيل المسيحي زوراً، وتارة أخرى بوجوب اعتماد بدعة ما يسمى «بوحدة المعايير» وما إلى هنالك من حجج وذرائع مختلفة التي تصب كلها في خانة عرقلة وتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة.
ثم تحول التجاذب الحاصل حول تشكيل الحكومة بين اتجاهين واضحين، الأوّل يتولاه الرئيس المكلف الذي يصرُّ على تشكيل حكومة مصغرة من اختصاصيين مشهود لهم بكفاءتهم ونجاحاتهم في الحياة العامة على أساس مضمون الورقة الفرنسية بكافة بنودها وشروطها، لتشكل الحكومة الجديدة فريق عمل متجانس، يتحرك بسرعة لتنفيذ المهمات المطلوبة من الحكومة الجديدة وفي مقدمتها إنقاذ البلد من الانهيار والانكباب على معالجة الأزمة المالية الصعبة التي تُهدّد بتفريخ سلسلة من الأزمات الضاغطة على كل المستويات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية وغيرها، وتباشر عملية الإصلاح المطلوبة في مختلف مؤسسات وادارات الدولة وتعمل في ما وسعها لإعادة النهوض بالقطاعات الاقتصادية، باعتبار ان مثل هذه الحكومة تحظى بقبول بالداخل اللبناني وتلقى القبول والدعم من الدول العربية والصديقة والمؤسسات المالية الدولية، وهذا أمر ضروري كي تستطيع التحرّك بسرعة وفاعلية لممارسة مهماتها بالانقاذ وحل الأزمة المالية المستحكمة.
أما الاتجاه الثاني الذي يتولاه رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، فيدعو إلى تشكيل حكومة مختلطة من سياسيين واختصاصيين وموسعة الى حدٍ ما لتتسع لمشاركة أكثر الأطراف السياسيين وتحت عناوين وذرائع «التمثيل المتوازن» و«وحدة المعايير» وما شابه، على شاكلة حكومات الوحدة الوطنية السابقة ليتسنى لهذا الفريق وبعض حلفائه الإبقاء على مراكز نفوذهم في بعض الوزارات الوازنة كوزارة الطاقة مثلاً وغيرها والاستئثار بسياسة وقرارات الحكومة العتيدة والتحكم بتوجهاتها خدمة لأهوائهم ومصالح حلفائهم.
وهذا الاتجاه يعني حكماً الالتفاف أو الانقلاب على المبادرة الفرنسية بالكامل، مع ما يعني ذلك من تداعيات سلبية، باعتبار ان أي حكومة على هذه الشاكلة لن تلقى قبولاً من أكثرية الشعب اللبناني أولاً، وكذلك ستلاقي رفضاً من الخارج كلّه ولن تحظى بدعم وتأييد أو تحوز على مساعدة المجتمع الدولي لإخراج لبنان من ازمته، بينما سيخسر لبنان المبادرة الفرنسية التي تشكّل خشبة الخلاص المتوافرة حالياً لمساعدته على حل مشاكله وازماته المتعددة، وهذا يعني في الخلاصة انها لن تتمكن هكذا حكومة من التقليع منذ البداية في المهمات المنوطة بها وستفشل حتماً.
ويلاحظ إزاء هذه الحلقة من المراوحة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، غياب أي تحرك أو جهد من قبل «حزب الله» باتجاه حليفه رئيس الجمهورية، للمساعدة في تحريك ملف التشكيل نحو الامام، بينما يكتفي مسؤولو الحزب على اختلاف بتوجيه المواقف والتصريحات الداعية لتشكيل الحكومة ظاهرياً خلافاً لعادة الحزب في التحرّك لحل مشاكل واحداث سياسية مشابهة، ما يُعزّز التكهنات بعدم استعجال الحزب لملف التأليف حالياً لأسباب ومصالح إقليمية تصب في صالح إيران تحديداً.