IMLebanon

السجال النووي بين باريس وطهران… هل قضى على المبادرة الفرنسية؟

 

رغم كل الأوضاع المأسوية على كل المستويات يتراجع الحديث عن تشكيل الحكومة ويغيب أي مناخ ينذر بأعجوبة تشكيلها عما قريب. العقبات التي تعترض ولادتها هي نفسها مع جرعة عناد إضافية بين رئيسين كلاهما يرفض الاتصال بالآخر. بعد فيديو الاتهام بالكذب تعقّد موقف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي يعتبر أن الحد الادنى من اللياقة، يفترض برئيس الجمهورية المبادرة الى الاتصال، يلاقيه الى ذلك اول المتضامنين معه رئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط وآخرون، لكن رئيس الجمهورية ميشال عون لا يرى أن لديه جديداً متعلقاً بالتشكيلة التي أودعها الرئيس المكلف ليقوله ولا يجد نفسه معنياً بالمبادرة باتجاه الحريري.

 

ولذا فلا اتصالات ولا مستجدات طرأت، ما ينفي توقع ولادة قريبة للحكومة الجديدة، أو أن الامور في وارد الحلحلة والخروج من المراوحة. المؤكد حتى الساعة ان عون ليس في وارد طلب الاجتماع مع الرئيس المكلف، الذي لا يبدو على عجلة من أمره. هذا الانطباع يخرج به عارفوه والمتصلون به، وهؤلاء يجزمون بأن الرجل لا يزال على موقفه بأن لا اعتذار ولا تراجع عن التشكيلة التي وضعها في بعبدا والتي يعارضها عون، الذي لم يعد يعنيه من ناحيته وجود الحكومة من عدمه مع وجود حكومة تصريف حد أدنى للأعمال ومجلس أعلى للدفاع، مولج باتخاذ القرارات المصيرية في البلد. قد تكون الحسابات هنا أن أي حكومة جديدة لن تفعل ما يزيد عما تفعله حكومة تصريف الاعمال الحالية في هذا الوقت المستقطع والبالغ الحساسية، ولذا لا نلمس مساعي جدية ضاغطة باتجاه تشكيل الحكومة الجديدة، وحتى الاتصالات والزيارات التي اعتدناها في زمن تشكيل الحكومات انعدمت وتيرتها. وفيما يبحث رؤساء الحكومات السابقون، الممتعضون ضمناً من حركة الرئيس المكلف “وتنازلاته” السابقة، عن شريك في مواجهة رئيس الجمهورية من باب التمسك بالطائف بقيت خطوتهم خجولة، والسبب ان الحريري لم يعد يركن لحركتهم.

 

وحده “حزب الله” يصرّ على القيام بمسعى لدفع الرئيسين إلى تجاوز أزمة الثقة والاجتماع مجدداً. في اعتقاده أن ثمة احتمالاً ولو ضئيلاً بامكانية تحريك الجمود بعد تسلّم جو بايدن الرئاسة الاميركية، خلفاً لدونالد ترامب والتخلص من الرهانات السابقة بإمكانية فرض عقوبات بحق الحريري. لكن “حزب الله” الذي لا يزال في انتظار مرور الساعات المتبقية من ولاية ترامب يعوّل على تحرك الحريري باتجاه دول الخليج التي قصدها، يشكو فعل اقصى ما يمكنه لكن الامور بلغت حدّاً لم يعد ممكناً استمرار الوضع على ما هو عليه. هو احتمال ضئيل يعول عليه “حزب الله” في المرحلة المقبلة. لكن التفاؤل الذي ينفد منه يغالطه آخرون ممن لا يرون مفراً من اعتذار للحريري سيكون عاجلاً أم آجلاً لحاجة الرجل الى غطاء عربي ودعم لا يزال محالاً.

 

ساعات فاصلة ما بين ادارتين في اميركا أثقل ما تكون على لبنان الذي يأمل محور الأكثرية فيه ان تشكل الادارة الجديدة فرصة للخروج من الازمة، بتمكين رئيس الحكومة المكلف من تشكيل حكومته وقد تحرر من التهديد بفرض عقوبات عليه. إذ لا يمكن التعويل على دور أميركي قريب، خصوصاً أن ملامح السياسة الاميركية غير واضحة بعد مع تأكيد المطلعين على السياسة الاميركية، أن المولجين متابعة هذا الملف لم تتكون لديهم فكرة مسبقة عن خصوصية الوضع في لبنان، ما يعزز الانطباع بالحاجة الى فترة لن تكون قصيرة لإستيضاح المشهد الاميركي في المنطقة عموماً ومن ضمنه لبنان.

 

أما فرنسياً فليس معروفاً بعد ما اذا كان مجدياً الحديث أو التذكير بالمبادرة الفرنسية التي وان كانت لا تزال صامدة، فقد قضى السجال بين وزيري الخارجية الفرنسية والايرانية على فرص انقاذها مجدداً، وهو سجال حصل على خلفية الاتهام الفرنسي لايران بالعمل على الحصول على قدرات نووية عسكرية، وهو ما وصفه ظريف بالحديث السخيف. سجال يؤشر الى منعــطف سلبي تشهــــده هــذه العلاقة سيـكون له حكماً تأثيره في لبنان.

 

في هذا الوقت، يستمر الحريري في محاولة الخروج من العزلة العربية عبر المبادرة في اكثر من اتجاه، ولو ان اية نتائج ملموسة لم تظهر بعد. والثابت الوحيد حتى الآن أنّ عقارب الساعة ضبطت على التوقيت الاميركي، إدارة ترحل واخرى بديلة تتسلم مع تفاؤل حذر بمرحلة جديدة، والانطباع السائد أن لا حكومة في الأفق بعد إلى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً.