«الثنائي» يعتبر أن معركته الآن إنتزاع غطاء دولي للتوقيع الثالث
رغم الظروف الحرجة التي تمر بها المبادرة الفرنسية، وطالما أن المفاوضات مستمرة ولم تنتهِ، فلا يمكن القول برأي أوساط سياسية بارزة أن هذه المبادرة قد أجهضت، وإن أبدت الرئاسة الفرنسية أسفها لعدم التزام المسؤولين اللبنانيين بتعهداته للرئيس إيمانويل ماكرون، مشيرة إلى أن إمكانية التوصل إلى حل ما زالت متوفرة، على صعوبة هذه المفاوضات. باعتبار أن انعدام الحلول والفرص، مرهون بإعلان الرئيس المكلف مصطفى أديب اعتذاره، وطالما لم يعلن هذا الأمر، فهذا يعني أن هناك فرصة للخروج بحكومة تجسد طبيعة المرحلة السياسية.
وتشدد على أنه طالما لم يعتذر الرئيس أديب، فهذا يعني أن المبادرة الفرنسية ما زالت مستمرة، وإن كانت باريس ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها الأوساط، لا يمكن أن توافق على شروط «الثنائي الشيعي»، فإما أن يقبل الأخير بطبيعة المبادرة القائمة، وإما أن تسحب باريس مبادرتها، وعندها فليتحمل هذا الطرف مسؤولياته في إفشال المسعى الفرنسي، مشيرةً إلى أن «الثنائي الشيعي» ومن خلال طريقة تعاطيه مع هذه المبادرة، كان يعتقد أن بإمكانه جرّ الفرنسيين إلى المكان الذي يريد. ولذلك ذهب بهذا التشدد، في إطار السعي إلى ما يمكن تسميته بـ«ربط نزاع» مع مرحلة مقبلة على علاقة مع تعديلات مفترضة على الدستور، من حيث اعتقادهم أن بإمكانهم تثبيت المسألة الاقتصادية منذ الآن، بمعنى أنه إذا تمكنوا من انتزاع وزارة المالية في ظل مبادرة فرنسية، فإنهم سيتمكنون من تحويل موضوع الميثاقية إلى اعتراف دولي، وبالتالي فإن الثنائي الشيعي يعتبر أنه معركته الآن لانتزاع غطاء دولي للتوقيع الثالث الذي يطالبون به.
وتشير الأوساط إلى أن «الثنائي» ليس لديه خيارات أخرى ، إلا ترك لبنان في مهب حكومة تصريف الأعمال، لأن لا قدرة لهم على تشكيل حكومة دون مبادرة فرنسية، مشددة على أن المواقف الأميركية الأخيرة لم يكن هدفها إفشال المبادرة الفرنسية، فالأميركيون والفرنسيون على تناغم في موضوع المبادرة، ولكن واشنطن مصممة على السير في ملف العقوبات، بصرف النظر عن المبادرة، معتبرة أن الجهد الذي يقوم به الرئيس أديب يصب باتجاه تشكيل حكومة بالمواصفات المطلوبة، وأهمها أن تكون مصغرة، رغم الاعتراض على هذا التوجه، وأن تحترم فيها المداورة بكل حقائبها، وهذا الأمر أيضاً يلقى معارضة «أمل» و«حزب الله»، وأن لا تتم تسمية أي وزير من أي جهة سياسية، الأمر الذي يعارضه رئيس الجمهورية و»الثنائي».
إفشال المسعى الفرنسي سيضع لبنان في مهب الريح ويغرقه أكثر فأكثر في أزماته
وبالتالي فإنه أمام هذه المواصفات التي حددها الرئيس المكلف، فإن أي تراجع كما تقول الأوساط عن أي واحد منها، وأن يسلّم بشروط الطرف الآخر، فهذا يعني أن أي حكومة ستشكل، ستكون نسخة طبق الأصل عن حكومة حسان دياب، أي أن مصيرها الفشل. ولذلك فإما أن تشكل حكومة بالمواصفات المطروحة، وإما لا . وهذا ما تنص عليه المبادرة الفرنسية التي تقول بأن أي خضوع للطرف الآخر، يعني فشل مسعى الرئيس ماكرون، مبدية شكوكاً حول مدى حرص الرئيس عون على إنجاح هذه المبادرة. فرئيس الجمهورية لا يريد أن يضع نفسه في مواجهة المبادرة، ولكن في الوقت نفسه يحاول أن يحسن شروط تنفيذها، وبالتالي فإنه يقول في مكان ما لـ«الثنائي» أنه لا يجب التفريط بالمبادرة، وإنما في نفس الوقت لا يريد الالتزام بشروطها. فالرئيس عون قد لا يكون لديه مشكلة في عدم الالتزام بالمداورة، لكنه يريد أن يسمي وزراءه ويعطي رأيه في الحقائب التي سيتسلمونها. وفي هذه النقطة يلتقي مع «الثنائي».
ولا تستبعد الأوساط أن يقدم الرئيس المكلف تشكيلة وزارية لرئيس الجمهورية الذي قد يوقعها، ويرمي الكرة إلى ملعب مجلس النواب، فإما تنال الثقة أو تسقط وتتحول إلى تصريف أعمال، باعتبار أن الرئيس عون لا يريد الاصطدام بالمبادرة الفرنسية، وبالتالي فهو يقول أنني سعيت ولم أوفق، وعلى مجلس النواب أن يتخذ المبادرة. لتفادي أن يكون عدم توقيعه نقطة تصادم مع الفرنسيين . لكن كل ذلك لا يعفي من القول أن لبنان يواجه ظروفاً بالغة الخطورة تستوجب توفي كل الضمانات لتأمين نجاح المسعى الفرنسي، باعتبار أنه خشبة الخلاص الأخيرة، ما يفرض على الجميع التنازل عن الشروط والشروط المضادة، من أجل ضمان الرئيس المكلف في مهمته، وبما يضمن تشكيل حكومة تحظى بدعم المكونات السياسية والمجتمع الدولي، لتتمكن من إنقاذ لبنان من الخطر الاقتصادي والمالي الذي يتهدده، وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل إلا من خلال صندوق النقد الدولي الذي يشترط للمساعدة، وجود حكومة لبنانية موثوقة قادرة على القيام بما هو مطلوب منها في تنفيذ الإصلاحات التي تنادي بها الدول المانحة.
ولذلك فإن إفشال المسعى الفرنسي سيضع لبنان في مهب الريح ويغرقه أكثر فأكثر في أزماته، لأن المجتمع الدولي سيتخلى عنه نهائياً، بعدما فرط اللبنانيون أنفسهم بالفرصة السانحة التي وفرها لهم الرئيس ماكرون، لإنقاذهم من الانهيار المحتم الذي ينتظرهم، حيث ظهر بوضوح لكل الناس أن المكاسب الفئوية والطائفية عند البعض أهم بكثير من مصلحة البلد والناس، وهذا خطأ جسيم لن يغفره الفرنسيون والعالم لأصحابه.