Site icon IMLebanon

محاولات إسعاف لبنان باءت بالفشل

 

يبدو أنّ الوضع العام في لبنان وبكل مندرجاته، بات يُقارب بأنّه دخل وللأسف إلى حالات من الفوضى السياسية – الأمنية – الصحيّة – الإقتصادية- الإجتماعية، وهناك حتمًا إنسداد في أفق المعالجات المطروحة لكل الأزمات، في ظلّ التعنُّت السياسي القائم على الزبائنية والكذب والرياء والمصالح الخارجية، التي تُملي على من هم في سُدّة المسؤولية منظوماتهم السياسية، وفي ظلّ فراغ حكومي قاتل غير قابل على ما هو ظاهر أو ثابت، لإمكانية إيجاد مخرج ما، في ظلّ أزمة ثقة بين الرئيس المُكلّف وفريق رئيس الجمهورية، الذي يُصِّرْ على المشاركة في تسمية الوزراء في الحكومة المنشودة، يقينًا منه أنّه في ظلّ تعهُّد الرئيس المُكلّف لدى المحافل الدولية، بأنّه سيسعى جاهدًا لتشكيل حكومة إختصاصيين تقود البلاد من ضفة إلى أخرى، وهذا أمر لم يألفه فريق رئيس الجمهورية، ويُعاند لليوم ويرفض أي تشكيلة حكومية خارج ما يُعرف بـ «رضى رئيس الجمهورية عليها، وإلاّ فلا توقيع». ومن هنا نسأل كباحثين: هل الطرفان على حق في ما يُدلوان به من دلائل؟

الأجوبة مستفيضة، وبعد مراجعات عديدة، تبيّن لنا أنّ كلا الطرفين ومن هم في ضفتيّ هؤلاء، لا يوحون الثقة أولاً للشعب اللبناني، بإعتبار أنه ضُلِّلَ بالقانون الإنتخابي النيابي الأخير، والطرف الثاني هو المراجع الديبلوماسية الغربية والعربية التي تنعدم ثقتها بمن هو في سدّة المسؤولية، سواء أكانوا رؤساء أو نوّاباً أو مناصرين.

 

أستند إلى ما قاله وزير خارجية فرنسا، بكونه المعني في المبادرة الفرنسية حين قال لصحيفة Le Figaro «: «إنّ الإنهيار السياسي والإقتصادي في لبنان يُشبه غرق سفينة التايتانيك». وأردف بالقول التالي: «إنّ لا أحد يريد أن يلتزم بتمويل لبنان إلى أن يُنفِّذ إصلاحاته». كل ذلك يصُّب في أمر واضح على الجميع قراءته بتمعُّن، وهو لا ثقة بكم يا سادة، ومعالجاتكم لغاية اليوم أقل ما يُقال عنها إنّها «معالجات عقيمة» لا فائدة منها ولا يُعوّلْ عليها… وهذا أمر يضُّر بلبنان كدولة وكشعب. وجميعكم ويا للأسف، لا يهمّكم أمر لبنان. إزاء ما يحصل من تمادٍ فاضح مُمارس من قِبل طبقة سياسية تهدر الوقت وتُهمِلْ المبادرات وتضرب بعرض الحائط مصالح الشعب اللبناني، وإستنادًا إلى شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، فعلى المستوى الوطني يجب أن تحتّل حقوق اللبنانيين والحريات العامة ومصالحهم، الجزء الرئيسي من ممارسة العمل السياسي، حتى تُعتبر الدولة أقرب إلى النظم الديمقراطية. أما على المستوى الدولي، فإنّ الحقوق والحريات الأساسية ومصالح الشعوب هي وسيلة للتدخّل في شؤون الدولة الداخلية، تحت مُسمّى حقوق الإنسان، التي من الواجب إحترامها وحمايتها، بل السعي إلى توفيرها تحت طائلة جزاءات مختلفة من حيث طبيعتها محدّدة في نصوص القانون الدولي. لذلك، كباحثين، نرى أنّ الأمر طبيعي أن نجد حقوق الإنسان تفرض نفسها منذ سنين طويلة على المجموعة الدولية بإختلافها، شعوبًا ومجتمعات وحضارات وثقافات.

 

إنّ أهمية الحقوق والحرّيات في تزايد مستمِّرْ على الصعيدين الدولي والداخلي. وإنطلاقًا من خبرتنا وعملنا، نعتبر نشاط وعمل أشخاص القانون الدولي، دولاً ومنظمات، كلها تهدف إلى تعزيز إحترام الحقوق والحريات. أما على المستوى الداخلي، فإنّ نشاط الدولة بمؤسساتها المختلفة يهدف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى حفظ وحماية وضمان الحقوق والحريات الأساسيّة مع مراعاة التوازن بينهما وبين مقتضيات النظام العام، وكلاهما من واجبات الدولة … وفي سبيل تحقيق التوازن المنشود، فإنّ الدولة التي تحترم قوانينها تملك من الوسائل ما تقدّره كفيلاً بذلك. ودائمًا أستند إلى العلم السياسي، أعني وسائل الضبط الإداري. فإذا كان الأصل هو واجب الدولة من أجل ضمان الحقوق والحريات، فإنّ سلطات الضبط الإداري هي التي تجسِّدْ هذا الواجب، عن طريق التنظيم في إطار إحترام مبدأ المشروعية، الذي يجب أن يكون دائمًا موضع إحترام. كما أنّ مبادئ القانون وخصائصه، توجب أن يكون ملائمًا للواقع حسب المتطلبات، ممّا يُبعده عن الجمود وعدم التطوُّرْ، الأمر الذي لا يسمح بقابلية التغيير… ومن ذلك، نُلاحظ كباحثين وناشطين سياسيين، أنّ الدولة اللبنانية تمُّرْ بأزمات بسبب ظروف طارئة تعجز التشريعات العادية النافذة عن مجابهتها ومواجهتها، أو على الأقل تجنُّب آثارها السلبيّة أو التقليل منها ، وهذا ما عرّض الدولة اللبنانية، وسير مرافقها، للتهديد بعدم الإنتظام إلى حد يمكن معه أن تصبح الدولة مهدّدة في ذاتها، أي في بقائها. وكل ذلك مرّده إلى وجود طبقة سياسية فاشلة فاسدة، يعجز أي قلم عن توصيف أخطائها لأنّها كثيرة وخطيرة ولا تُحصى .

 

إنّ الأزمة الحالية والمتراكمة منذ سنوات، هي أزمة مرّكبة ذات ثلاثة أبعاد متلازمة ومتفاعلة أساسها واحد، نظام سياسي فاسد غير ديمقراطي تبعي مُرتهن محاصصي تابع متخلِّفْ توتاليتاري. إنّها أزمة سياسية – أمنية – صحيّة – إقتصادية – إجتماعية، نجد تعابيرها في البنية السياسية اللبنانية المشوّهة، إضافة إلى غياب كامل للعدالة الإجتماعية في ظلّ النهب المنظّم والمتفاقم وتجويع غالبية الناس. سلطة سياسية تستخدم منظومتها السياسية لفرض هيمنتها لمواصلة تعزيز سلطتها وتكريس نفوذها ونهبها للمال العام والخضوع للآمر الناهي الخارجي. إنّ التخطيط السليم لمواجهة تلك النكبات السياسية – الأمنية – الصحيّة – الإقتصادية – الإجتماعية، ضرورة تفرضها معرفتنا السياسية بآثار الكوارث الناتجة من الإهمال في ممارسة العمل السياسي وبكافة ميادينه، وإنعكاساتها على المجتمع اللبناني. كباحثين وناشطين سياسيين، سنعلن في القريب العاجل عن إستحداث لجان، مهمتها مناقشة العديد من الملفات التي تخصّ الوضع اللبناني بشكل عام، من بينها درس كل الملفات العالقة في كل الإختصاصات، لأنّ الأزمات عادة ما تكون شاملة وفوضوية لدرجة يصعب إستيعابها بكليتها، علمًا أننا أمام أمر واقع سياسي مأزوم نتج من ممارسة سياسية رعناء.

 

إنّ الشعب اللبناني بات يميل إلى الشعور باليأس والفزع والإحباط … وفي كل مرة تتأزم الأمور السياسية يلجأ السياسيّون عندنا لزيادة الطين بلّة بمواقفهم السلبية، لذا من الضروري الإستجابة للأزمات بأسرع وقت، وضبطها قبل إستفحالها. وعلينا إستخدام توصيات ناجحة لتطوير خطة عمل ناجحة، وهي بالنسبة إلينا الخط العريض لأكثر من هدف وعملية سوف نقوم بها كباحثين وناشطين سياسيين، لإقامة مشروع إنقاذي ناجح للوصول إلى الأهداف المنشودة. بالنسبة إلينا، إنّ حل الأزمة اللبنانية من الطراز الشامل، حيث تلعب النُخبْ فيه عوامل كثيرة ثابتة وأخرى غير محسوبة ومفاجئة، تحتاج إلى إمكانيات إستثنائية ورؤية شاملة لواقع لبنان، وإمكانيات المجتمع ولفئاته الفقيرة العادية والغنية والقوى السياسية الحرّة الراغبة بمشروع وطني ديمقراطي، وإلى ممارسة سُبُلْ متنوّعة من النضال… والسعي إلى تغيير حقيقي في الواقع السياسي – الأمني – الصحّي – الإقتصادي – الإجتماعي … وعلينا كباحثين وناشطين سياسيين عدم إغفال وجود قيادة سياسية موّحدة، يلتقي فيها ممثلو جميع قوى التحرّر للوصول إلى الهدف المنشود.

 

بناء على ما تقدّم، المطلوب اليوم، تنظيم معارضة بنّاءة لتعبئة العملية النضالية في برنامج سياسي مشترك، والإتفاق على أساليب النضال السليم السلمي، وسُبُلْ التصعيد والتطوير، وصولاً إلى تحقيق الغاية النبيلة. لأنّ المعالجات الحالية للأسف معالجات فاشلة، وما لنا سوى الإنتفاضة الشعبية وبرنامجها الموّحد، لإقامة الدولة السيّدة المستقلة، وكسب الرأي العام المحلّي والدولي لها، وهذه كلها شروط تقود إلى تحقيق التغيير المنشود. وهذه برسم قادة روحيين وزمنيين، عساهم يتعاونون.