مصدر في العاصمة الفرنسية: كيان ومصير لبنان مهددان ووضعه مدوّل منذ 1975
اشعلت كلمة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يوم السبت الماضي خلال تظاهرة التأييد الشعبية لمواقفه في بكركي مواجهة سياسية جديدة مع فريق سياسي معروف برفضه لطروحات بكركي، خصوصا لمجموعة اللاءات الاساسية التي اطلقها والتي شكلت خارطة طريق لمستقبل الوطن مع تجديد تمسكه بمبدأ اعلان حياد لبنان ومطالبته بعقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة، واللافت الى ان المواجهة وصلت الى حد تخوين وتهديد بطريرك الموارنة، الذي تحدث بصوت مرتفع وبإسم فئة كبيرة من اللبنانيين بشفافية ووضوح، وقد وصل صدى خطاب البطريرك الى خارج الحدود وكان محط انظار في عدد من عواصم دول العالم في ظل استمرار لبنان تحت المجهر الدولي بشكل عام والفرنسي بشكل خاص، وفي هذا الاطار سألت «اللواء» مصدراً رفيعاً في العاصمة الفرنسية عن قراءة باريس لخطاب البطريرك الراعي ومطالبه فقال: «هناك نوع من العلاقة التاريخية بين الصرح البطريركي في لبنان وبين مرجعيتين كبيرتين في العالم هما: الفاتيكان وفرنسا، الاولى تعتبر المرجعية الاساسية للمسيحيين الموارنة الذين هم جزء من الكنيسة الرسولية ، والثانية اي فرنسا تربطها مع بكركي علاقة مميزة وخاصة، حتى انه اصبح هناك تقليد سنوي بان يقام قداس سنوي على نيتها في الصرح البطريركي في بداية كل عام «.
ويضيف المصدر: «منذ القرن السادس عشر وفي زمن حماية الاقليات اعتبرت فرنسا نفسها حامية للموارنة، ومن ثم عند تأسيس دولة لبنان الكبير اصبحت تنظر الى بكركي كركن اساسي في لبنان كالقيادات الاخرى فيه».
ويذكّر المصدر بالتحذير الاول الى اطلقه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان في تموز الماضي بمناسبة مئوية لبنان الكبير وذلك قبل انفجار المرفأ في الرابع من آب، حيث حذر من زوال الدولة اللبنانية، والزوال برأي الوزير الفرنسي هو ليس زوالا جغرافيا او انسانيا، بل زوال الدولة والكيان. ويرى المصدر ان مواقف بكركي باستثناء مواقف البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير كانت في وقت سابق اقرب الى مواقف الرئيس ميشال عون ومفاهيمه، ولكن تطورت هذه المواقف مع الوقت برأي المصدر بإتجاه محاولة الاستجابة لتحديات الوضع اللبناني، واصبح هناك طروحات كالفيدرالية والحياد وغيرها».
الحياد الايجابي غير الحياد المطلق
ويشيد المصدر بالنقاش البنّاء الذي جرى بين البطريرك الماروني والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون خلال زيارة الاخير الى بكركي اثناء وجوده في لبنان، خصوصا من خلال ترتيب بعض الافكار المشتركة بالتنسيق مع الفاتيكان، ومنها اهمية الحفاظ على وحدة لبنان والحياد الايجابي، بمعنى اعتماده سياسة النأي بالنفس الذي كان طالب بها الرئيس نجيب ميقاتي اثناء توليه رئاسة الحكومة، ويعتبر المصدر ان الحياد الايجابي يختلف عن الحياد المطلق، لذلك فان البطريرك الراعي يطالب المجتمع الدولي بدعم حياد لبنان من خلال ابتعاده عن المحاور والصراعات.
ويشير المصدر بأن المبادرة الفرنسيه اساسها الطلب من اللبنانيين العمل على مساعدة انفسهم والابتعاد عن المحاور.
المؤتمر الدولي لا يحتاج ضجيجاً
وحول مطالبة البطريرك الراعي بعقد مؤتمر دولي خاص للبنان، يعتبر المصدر ان المطالبة بمثل هذا المؤتمر امر غير جديد بالنسبة لموضوع التدويل، خصوصا ان كل المسائل في لبنان مدولة منذ العام ١٩٧٥ حتى اليوم اي منذ صدور القرار ٤٢٥الذي كرس وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب.
ويلفت المصدر الى ان مسألة المؤتمر الدولي لا تحتاج الى كل هذا الضجيج والتضخيم ، لا سيما ان هناك مجموعة دعم دولية من اجل لبنان تلتأم بشكل دائم وهي تضم عددا من سفراء الدول الكبرى والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية والامم المتحدة، بالاضافة الى الاهتمام الخاص والمباشر بلبنان من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكل هذه المعطيات تؤكد ان وضع لبنان مدول حتى العظم.
فرنسا تُحمِّل عون وباسيل مسؤولية التعطيل
ويؤكد المصدر ان كل الطروحات التي يطرحها البطريرك الراعي تدعم بنود المبادرة الفرنسية التي لا تزال على الطاولة ولا تزال سارية المفعول، ولكن جديدها واللافت كما يقول المصدر هو تحميل الجانب الفرنسي وبشكل صريح وواضح الرئيس عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مسؤولية التعطيل، ويستبعد المصدر ان يتم رفع العقوبات على احد من المسؤولين اللبنانيين كما يتم الترويج له من قبل البعض.
ويحمل المصدر المسؤولية للاطراف اللبنانية في مسألة انقاذ لبنان ويقول: «اذا ارادوا العودة الى الخط المستقيم وانقاذ الوضع عليهم تشكيل حكومة واقعية لكي تبدأ رحلة الانقاذ، اما اذا ارادوا تحويل المسألة الى مواجهة فهذه مسألة اخرى مع العلم ان البلد لم يعد يحتمل المواجهات اطلاقا».
تجاوب دولي مع مبادرة بكركي
ويشدد المصدر على ان الراعي ومن شاركوا في تجمع يوم السبت الماضي في بكركي ليسوا في وارد ان يكونوا يدعمون عودة سيناريو شبيه لسيناريو ١٤ و٨ اذار، فالوضع الحالي مختلف لاننا امام خطر فعلي يهدد كيان ومصير لبنان، من هنا يبدي المصدر اعتقاده ان هناك تجاوباً دولياً رفيعاً مع مبادرة بكركي بما في ذلك روسيا التي ابدت ارتياحها لكلام الراعي.
وحول امكانية عقد مؤتمر فرنسي جديد خاص بلبنان، يذكّر المصدر ان باريس عقدت اخر مؤتمر خاص للبنان في كانون الاول الماضي، ويشير المصدر الى ان المسألة لم تعد مسألة مبادرات لان التعطيل هو من الداخل اللبناني، ويلفت الى انه اذا كان هناك من يفكر بأن ايران تنتظر المفاوضات مع الولايات المتحدة الاميركية فإن هذا الامر يعتبر كمن يركض وراء سراب.
من هنا يقول المصدر» عندما ننتهي من التعطيل في الداخل، لا يمكن ان يكون لبنان ابدا سلعة في المفاوضات ولا يمكن ان يكون عندها جائزة ترضية لاحد، المسألة هي مسؤولية جميع المسؤولين اللبنانيين من خلال رفع الصوت وهذا ما حصل يوم السبت الماضي في بكركي حيث شكل الموضوع منعطفا لتحمل المسؤولية داخليًا.
الوضع قد يطول
ويتوقع المصدر ان يكون البلد امام وضع قد يطول، ولكنه يجزم ان لا اعتذار ولا استقالة من قبل الرئيس المكلف سعد الحريري، ولكنه يعتبر ان الجديد الذي حصل هو الاعتراف بعدم استطاعتنا حل مشاكلنا والطلب من العالم مساعدتنا، معتبرا ان النداء قد وصل ونحن ننتظر كيف ستتم ترجمته.
ويكشف المصدر ان فرنسا تقوم باتصالات مستمرة مع عدد من المعنيين الدوليين والاقليميين وهي تدرس جميع الامكانات المتاحة وبناء على نتائج هذه الاتصالات سيتم تحديد الخطوات، لذلك علينا الانتظار ولكن الاكيد وبحسب المصادر ان لبنان لن يترك.
خطاب الراعي والمصلحة الوطنية
ويشير المصدر بأن البطريرك الراعي لديه إتصالات رفيعة المستوى، ولكن هذه الاتصالات لا تعني ان هناك من يوجهه ، ويلفت الى ان خطابه ينطلق من المصلحة المسيحية والوطنية .
وردا على سؤال، يعتبر المصدر بانه عندما قررت فرنسا الامساك بالملف اللبناني لم تطلب اذنا من احد مع العلم انها تتعامل بارتياح مع الرئيس الاميركي الجديد جون بايدن، مما يعني ان هناك تنسيقًا فرنسيًا اميركيا على مستوى رفيع جدا.
ويقول المصدر الامر الايجابي هو ان العالم بأجمعه سمع صوت فئة كبيرة من اللبنانيين ترفض سياسة سيطرة «حزب الله» والتيار الوطني الحر» على لبنان.
ويؤكد المصدر ان الوضع اللبناني هو في الهموم اليومية لفرنسا التي لا يمكن ان تتخلى عنه. وعن امكانية دعوة باريس المسؤولين اللبنانيين الى اراضيها للحوار كما حصل في مؤتمر الحوار اللبناني الذي عقد في «سان كلو» في العام 2007 يقول المصدر «شكل الحوار بين المسؤولين غير معروف ، ما اذا كان حوار في الامم المتحدة مثلا، او في جنيف او بيروت او باريس او في اي دولة عربية».
ويختم المصدر نافيا ان يكون هناك تفاصيل او خطة حول الموضوع لا سيما ان كل الاحتمالات تدرس في الوقت المناسب.