قبلَ بروز التسوية الاقليمية الى العلن كانت الطروحات بين «حزب الله» والفرنسيين قائمة وفق المعلومات كالآتي: بدأ الفرنسيون بطرح ترشيح اسم قائد الجيش على الحزب فوافق الاخير على التفاوض، ولكن المفاوضات التي دامت أشهراً اصطدمت برفض الحزب غير المُعلن. ثم عرضَ على فرنسا اسم رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وطلب منها أخذ الوقت الكافي للاقتناع به في ظل غياب أي مرشّح جدي آخر مُعلن لدى الاطراف المسيحية. كذلك طلب الحزب من الفرنسيين تسويق اسم فرنجية داخلياً ضمن الامكان وعربياً خصوصاً، وعلى هذا الاساس وافقت فرنسا على تبنّي ترشيح فرنجية على قاعدة المعاملة بالمِثل بعد ان كان الحزب قد تجاوبَ في التفاوض على ترشيح قائد الجيش.
في وقت ينتظر الجميع وصول وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان الى لبنان لتأكيد المؤكّد، أي التناغم السعودي ـ الايراني، وفي الوقت الذي يترقّب المعنيون موقفه من داخل لبنان وتوضيح موقف بلاده من الملف الرئاسي فيما اذا كان مُتجاوباً مؤيّداً او مبايعاً للموقف السعودي! تكشف مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ»الجمهورية» انّ مسعاها او طرحها بتبنّي تَسمية سليمان فرنجية ما زال قائماً ومستمراً في غياب اي طرح جدّي لمرشح آخر من قبل أي طرف آخر.
وفي السياق، استغربت مصادر ديبلوماسية فرنسية كلام رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لافتة الى «انه لا يمكن التكلّم عن اي مصالح اقتصادية فرنسية اليوم يتم على اساسها توصيف التحرك السياسي الفرنسي في لبنان»، مؤكدة «انّ قوة فرنسا في لبنان تكمن في قدرتها على التواصل مع كافة الفرقاء، بمعنى انه ليس هناك أي طرف ترفض فرنسا التواصل معه سواء في لبنان او في المنطقة، فهذا الامر هو مصدر قوتها ويضعها في موقع القادر على عرض «طرح» معيّن أحَبّ البعض إطلاق اسم «التسوية» عليه «إلا اننا لا نرى المصطلح مُطابقاً للواقع لأنه يبدو كمُقايضة»، بحسب تعبير المصادر نفسها.
وتضيف: «لذلك من الافضل إطلاق اسم «طرح في السياسة» عليه ضمن FORMULE معينة، وهو يأتي في اطار اتفاق الطائف… وامام الواقع السياسي الحالي وعلى أساسه تمّ عرض هذا الطرح الفرنسي البراغماتي، علماً ان فرنسا غير متمسّكة لا بطرح معيّن ولا بإسم معيّن ولا بترشيح شخص معيّن، فإذا دعمت اليوم ترشيح فرنجية فقد تدعم غداً مرشحاً آخر لأنها قادرة على التعامل مع اي شخصية مرشحة او يرشحها اي طرف آخر، فالهدف يبقى إخراج لبنان من الفراغ والازمة العالقة بعدما تبيّن انّ مجلس النواب عالِق في مكان ما وغير قادر على انتخاب رئيس جمهورية والانتقال بعدها الى تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ برنامج اصلاحي انقاذي كامل يُخرج اللبنانيين من الحالة القاتلة».
وأضافت المصادر: «من هنا خرجت فكرة المبادرة الفرنسية التي ارتكزَت بالطبع على التواصل الذي تمّ مع الافرقاء في المنطقة وفي الجوار وخلال الاجتماع الخماسي في باريس، وهم بالطبع في أجواء هذه المبادرة وجميع تلك الدول معنية بالملف اللبناني ورأيها مهم إنما الأهم الوصول الى حل».
وكشفت المصادر نفسها «انّ التواصل ما زال مستمراً مع هذه الدول الخمس حول الملف الرئاسي اللبناني لأن لا نية لفرنسا إطلاقاً بالتفرّد بالحل او بطرح المبادرات، بل هي مستعدة لأي «صيغة» اخرى او «طرح» آخر وتقديم الدعم في حال كانت تلك الطروحات لمصلحة لبنان». وقالت: «لم تضع فرنسا في أي وقت أي فيتو على أي اسم، بل على العكس هي تؤيّد وصول اي شخصية يتوافَق عليها اللبنانيون».
وعن السؤال الذي أجابت عنه المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير لوجندر، أوضحت المصادر الديبلوماسية الفرنسية أنه «لم يكن بياناً رسمياً صادراً عن السفارة الفرنسية في لبنان، بحسب ما تمّ الترويج له في بعض الوسائل الاعلامية اللبنانية التي تساءَلت عن الاسباب وعن توقيت البيان واستفاضَت في التحليل، بل كان مجرّد جواب تلقائي أجابت عنه المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية في باريس».
وأكدت المصادر «انّ موقف فرنسا واضح، وهو أنه ليس هناك تمسّك بمرشح معيّن وإنما هناك طرح لحل سياسي بناءً على واقع قائم». وأضافت: «لو رشّح بقية الاطراف اي شخصية اخرى لكانت فرنسا بالتأكيد حاوَرت وفاوَضت عليها، فهي لا تتمسّك بأي شخصية معينة».
ولدى السؤال: لماذا لم يعلن فرنجية ترشيحه رسمياً وانّ فرنسا بذلك تتبنّى ترشيح «حزب الله» وفق البعض؟ أوضحت المصادر: «صحيح انّ فرنجية لم يعلن ترشيحه رسمياً إنما يوجَد طرف سياسي تبنّى ترشيحه علناً، وهذا لا يعني انّ فرنسا تبنّت ترشيح «حزب الله» كما يحلو للبعض وَصف الطرح الفرنسي، فعلاقة فرنسا مع «حزب الله» مثلها مثل أي علاقة مع اي فريق سياسي في لبنان، ولو كانت الاحزاب المسيحية متّفقة اليوم على شخصية ما، فمنَ المؤكد اننا كنّا سنتبنّاه. أمّا الواقع فهو مختلف، ولدينا اليوم مرشّح من طرف سياسي لبناني واحد، والهدف أن نصِل الى طرحٍ يجمع بين الآراء المتباعدة للافرقاء اللبنانيين ويكسر الجمود». وأضافت: «هناك طرف رشّحَ فرنجية رسمياً وغير رسمي، وهناك طرف حاولَ ترشيح شخصية لم تحصل على تصويت الغالبية في مجلس النواب. كما ان تبنّي ترشّح هذه الشخصية لم يكن واضحاً فيما الطرف الاول كان طرحه واضحاً. وبذلك أظهرت الاطراف المسيحية أنها غير قادرة على الاتفاق على مرشح، فالفكرة الفرنسية كانت وضع خطة او طرح تجمع من خلاله كافة الآراء، وليس تبنّي مرشح أحد الافرقاء في وجه مرشح آخر.
فالهدف هو نزول النواب الى المجلس والتصويت بطريقة ديموقراطية».
ولدى السؤال: لماذا لم تأخذ فرنسا بعين الاعتبار الرفض المسيحي الجامِع الى حدٍ ما لفرنجية؟ تجيب المصادر: «انّ هناك علاقة تاريخية بين فرنسا ومسيحيي لبنان وهي مأخوذة لديها في الاعتبار، وكذلك تأخذ في الاعتبار رفض هؤلاء لاسم فرنجية، إنما في المقابل فرنسا تأخذ الامر في الاعتبار أكثر لو كان لديهم مرشح آخر او مرشح واضح يُجمِعون عليه لتسهيل الامر، ليس فقط على فرنسا بل على جميع الدول المهتمّة بالملف الرئاسي اللبناني. انّ الامر يمكن تلخيصه بالآتي «هناك طرح جدي من طرف، وهناك رفض من دون طرح جدي من الطرف الآخر، والـ formule التي طرحَتها فرنسا هي محاولة التوفيق بين الطرفين».