من بين التطورات اللافتة التي تصاحب الحرب الكونية الدائرة في سوريا، هي حصر الصراع الدولي – العربي في مواجهة المحور الايراني وحلفائه على الارض السورية مدعوماً من ثاني أقوى قوة في العالم، وهي روسيا..
بات من الصعب تحديد دقيق لهوية المعارضة (المعارضات) السورية، التي تقاتل في الميدان مؤيدة بحشد دولي – عربي غير مسبوق.. والجميع يقفزون من فوق هذه، ويصوبون على المشكلة الرئيسية المتمثلة بايران، التي استنفرت كامل طاقاتها وحلفائها والمؤيدين لها، وراحت بعيداً في ترجمة »تصدير الثورة« على نحو وضع المنطقة بكاملها فوق فوهة بركان.. متجاوزة حدود الكيانات والدول القريبة منها او تلك التي في المرمى الاستراتيجي، ومن بيهنا لبنان، الذي وان غابت عنه حروب النيران المشتعلة في العديد من دول الجوار، فإنه في صلبها، أقله سياسياً واعلامياً، وتالياً أمنياً وان بحدود لايزال قادراً على ضبطها والامساك بها..
من أبرز أوجه الأزمات السياسية على الساحة اللبنانية، هو الشغور المتمادي في سدة رئاسة الجمهورية، حيث بدا، ان الافرقاء كافة، او أقله، في غالبيتهم الساحقة، باتوا على قناعة بلا جدوى الجهود الداخلية المبذولة على خط الاستحقاق الرئاسي والأزمة الرئاسية.. وهم لا يجدون حرجاً في تسليم هذا الملف، الى »العناية الالهية« كما يرى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، او التطلع الى الخارج الدولي الفاعل والمؤثر، علّه يعيد الحياة الى ما قيل إنها »مبادرات وئدت من قبل ان تبصر النور..« ومن بينها الحديث المستجد المتواتر عن دور منتظر لفرنسا في هذا السياق..
لوقت سابق تحركت باريس، وعلى أعلى المستويات على خط تحريك عجلة الاستحقاق الرئاسي.. ومن دون توضيح المعطيات والأسباب عادت القيادة الفرنسية ووضعت مبادرتها في الجارور.. والذين تواصلوا معها لم يحصل على أجوبة دقيقة ومقنعة كفاية سوى اشارات من بينها،لمبادرة لم تحظ بتأييد وبركة الولايات المتحدة ونيلها »الشرعية« المطلوبة، وبالتالي انسداد المعابر الأخرى مع ايران والمملكة العربية السعودية، أبرز دولتين اقليميتين مؤثرتين في الساحة اللبنانية، بالنظر لما تتمتعان به من علاقات متينة مع العديد من الافرقاء الداخليين الموزعين بين المحورين اياهما واختصارهما (س.ا) بدلاً من (س.س)، أي السعودية – ايران، بديلاً عن السعودية – سوريا..
قبل أيام، عاد الحديث من جديد عن تحرك فرنسي باتجاه لبنان، وقام السفير الفرنسي ايمانويل بون بجولات على العديد من المسؤولين اللبنانيين لاطلاعهم على ان فرنسا ستوفد الى بيروت رئيس خلية الأزمات في وزارة الخارجية باتريس باولي، من دون ان يحدد موعداً نهائياً.. خصوصاً وان التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية، في ضوء تنفيذ العقوبات الاميركية ضد »حزب الله«، والتفجير الذي استهدف غروب الأحد الماضي مبنى »بلوم بنك« في شارع فردان، أعطيا انطباعاً بأن لبنان مهدد فعلياً بخروقات أمنية لا يمكن ضبطها، مصحوبة بتحذيرات سفارات خارجية رعاياها من المجيء الى لبنان او التجول في شوارع معينة..
حاول بون ان يحصل من الذين التقاهم على أجوبة حول فائدة اعادة الحياة الى »المبادرة الفرنسية«، ومدى الايجابية التي يمكن ان يتعامل بها المعنيون مع هذه المبادرة، وسط جهود ومساع ستبذل في الخارج الدولي والاقليمي لانعاش مطلب المحافظة على أمن واستقرار لبنان، أولاً، وبالتالي السعي من أجل رسم خريطة طريق (ضمن سلة واحدة) لاخراج لبنان من أزمته المركبة، ابتداء من انتخاب رئيس للجمهورية وصولاً الى اجراء الانتخابات النيابية وفق قانون جديد يتفق عليه المعنيون، وبالتالي تشكيل حكومة جديدة تستطيع ان تحدث نقلة نوعية في ادارة البلد.. لكن بون، بقدر ما سأل فقد سئل، عن الضمانات، وهل المبادرة الفرنسية هي »بنت أفكار القيادات الفرنسية« وهل تحظى هذه المبادرة بتأييد أميركي وعربي واقليمي، وكيف السبيل لجمع السعودية وايران على هدف في لبنان، والأخيرة باتت تجيد غسل يديها من أية مسؤولية وتشير الى كل من يراجعها بوجوب مراجعة »حزب الله« بهذه المسألة اللبنانية الصافية، »فهو الأدرى بشعابها«.
واضح، ان ايران تريد كسر الحصار الدولي المضروب على »حزب الله«.. والحزب بدوره يعتقد أنه ممسك بمجموعة أوراق فاعلة ومؤثرة، في الداخل كما في الخارج.. وهو، كما غالبية الافرقاء، يراهن على كامل الوقت والتطورات الميدانية، وتحديداً في سوريا.. وان كان لا يقفل الأبواب في وجه المبادرات التي دأب الرئيس نبيه بري يطلقها، على »طاولة الحوار« التي ستكون، بعد يومين، خلاف سابقاتها، وقد وضع لها رئيس المجلس هدفاً لن يحيد عنه، ويتمثل بسلة حلول متكاملة، ابتداءً من قانون الانتخاب الى استكمال البحث في مواصفات الرئيس، واجراء الانتخابات النيابية بعد اصراره على رفض التمديد للمجلس النيابي أياً كانت الظروف والمبررات، لاسيما بعد اجراء الانتخابات البلدية، التي شكلت ادانة دامغة لعدم اجراء الانتخابات النيابية والتمديد مرتين لمجلس النواب..
في قناعة البعض، ان الفرنسيين هذه المرة – وخلاف المرات السابقة، يجمعون بين أياديهم مجموعة معطيات وأوراق، وان الأيام المقبلة ستكون خير دليل على ذلك كما قد تكون كافية لاقناع الافرقاء اللبنانيين بأن مرحلة »جمع الاوراق« انتهت وآن الاوان للجلوس الى طاولة الحوار مجدداً، ومن دون شروط مسبقة يتلطى خلفها هذا الفريق او غيره.. فالظروف المستجدة على الواقع اللبناني، بدأت تضغط وعلى نحو غير مسبوق، وان الحلول المطلوبة، وتحديداً انتخاب رئيس للجمهورية، يجب ان يحصل في أسرع وقت ممكن، وعدم انتظار انتهاء ولاية الرئيس الاميركي باراك أوباما، وانتخاب رئيس جديد وعدم انتظار حل الأزمة السورية، وجلوس السعوديين والايرانيين على طاولة واحدة..؟!.