أكمل فرنسوا هولاند أمس ما بدأه فرنسوا فيون أول من أمس في شأن الوضع النكبوي في سوريا، بحيث لم يعد أمام رئيسها السابق بشار الأسد من «خيارات فرنسية» سوى نقيضين – حليفين: «خدمات» الإرهاب الداعشي ومواقف «الجبهة الوطنية» المتطرّفة بقيادة مارين لوبان!
أهمية مواقف الرئيس هولاند من سوريا والأسد تكمن في ثباتها على نسق واحد لم يتغير مضمونه وإن فرضت العمليات الإجرامية الإرهابية التي ضربت باريس في أواخر العام 2015، تغييراً في شكله ومفرداته. وأبرز ما في ذلك التأكيد على أن الأسد هو المشكلة ولا يمكن أن يكون الحل.. وأن عدم معاقبته على استخدام الأسلحة الكيماوية في العام 2013 أدى إلى نشوء «داعش»..
لكن الأكثر أهمية من الراهن والماضي اللذين يمثلهما موقف هولاند، هو المستقبل الآتي قريباً مع الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل، والتي ترجّح معظم استطلاعات الرأي أن يفوز فيها مرشح اليمين فرنسوا فيون صاحب المواقف المثيرة للجدل في شأن الإرهاب والإسلام كما في شأن سوريا والأسد.
مواقف فيون تلك كانت مثيرة للمغص! وبدت وكأنها نسخة فرنسية عن مواقف دونالد ترامب الأميركية، خصوصاً لجهة «الإشادة» بالزعيم الروسي فلاديمير بوتين، ثم اعتبار الإسلام في ذاته هو المشكلة وليس الإرهاب فقط.. ثم وضعه محاربة هذا الإرهاب في موضع الصدارة وفي وسوريا أساساً، إلى جانب تلميع «مبدأ» عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى!
ومع ذلك، فإن مواقفه هذه بقيت أقل قتامة وسواداً من مواقف منافسته الأبرز زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.. لكنها كانت كافية بالنسبة إلى الرئيس السوري السابق لوضعها في خانة أهم إنجازات غرفة عملياته مع الإيرانيين والروس والمتمثل بتظهير معطى الإرهاب ووضعه أمام العالم(!!) كبديل لا ثاني له عن حكم السلالة الأسدية البعثية الفئوية في سوريا.
المفاجئ أن فيون شعر بالاشمئزاز من توظيفات الأسد لمواقفه! بل يمكن الظن بأنه شعر بالإهانة لأن ديكتاتوراً من نوع رئيس سوريا السابق سمح لنفسه بوضع شروط، أو ما يشبه ذلك، على رئيس فرنسا المقبل! واستغل الإعلام الفرنسي وبوقاحة معروفة عنه، لإظهار نفسه وكأنه «زميل» لقادة العالم الحر في «محاربة الإرهاب»!
ولذلك دلق المرشح اليميني للرئاسة سطلاً من الماء البارد على رأس الأسد وفي عزّ موسم الصقيع! وذهب مباشرة إلى تحديد مواقفه «الأخيرة» من الوضع السوري بكل وضوح ممكن وبما يكفي لنسف أي أوهام عالقة في ذهن الديكتاتور السوري إزاء المواقف الرسمية الفرنسية منه.. «لا أؤيد بقاء الأسد في السلطة، فهو ديكتاتور مراوغ لديه ماض (وحاضر!) دموي».. و»السماح له بالتصريح عبر القنوات التلفزيونية الفرنسية حول السياسة الفرنسية هو مراوغة».
.. حبذا لو يدلي (الأسد) ببضعة تصريحات عن ترامب! ويقدم له بعض «النصائح» عن كيفية «محاربة الإرهاب»! ثم يضع أمامه بضعة شروط كي يقبل بالحكي معه!