Site icon IMLebanon

صدمة ديبلوماسية: ما الفارق بين استجواب «شفوي» أو»خطي»؟

 

تقاسمت الرسائل الـ 38 التي وجّهها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان إلى النواب مطلع الأسبوع، الاهتمامات، مع ما تركته «شاحنة كوع الكحالة» من هواجس أمنية. وأحيت المخاوف على مصير الاستحقاق الرئاسي، نتيجة موجة الرفض التي تناولتها في توقيتها وشكلها والمضمون. وإلى جانب النعي المحتمل لمهمّة لودريان، فقد تسببت هذه الأجواء بصدمة ديبلوماسية، نتيجة استغرابها التصنيف اللبناني بين «استجواب» خطي وآخر شفهي. وعليه ما الذي يبرّر هذه المؤشرات؟

منذ أن نُشرت النسخة العربية لرسالة لودريان إلى الكتل النيابية والمستقلين والتغييريين وفق التصنيف الفرنسي، للمعنيين بالاستحقاق الرئاسي الذين حصر بهم اتصالاته في جولته الثانية ما بين 25 و26 تموز الماضي، ظهرت بوادر رفض واعتراضات لبنانية كثيرة على المبادرة الفرنسية في شكلها والمضمون، حتى طاولت جوهرها. وجاءت اللائحة التي اعتمدها بتوجيهه 38 نسخة من رسائله، ترجمةً عملية للائحة الشخصيات والمكونات النيابية التي زارها واستقبلها في زيارته الثانية، بعدما تجنّب عن سابق تصور وتصميم القيام بأي زيارة او لقاء مع مرجعيات حكومية وروحية وسياسية، ومعهم مجموعة من أصدقائه اللبنانيين الذين التقاهم في زيارته الاولى نهاية تموز الماضي بهدف الاستئناس بآرائهم.

كان ذلك قبل أن يخوض لودريان في المرحلة الثانية من مهمّته بالآلية التي اعتمدها عقب الاجتماع الذي استضافته الدوحة في 17 تموز الماضي على مستوى وزراء الخارجية «لقاء باريس الخماسي» والملاحظات التي اضطر الى الأخذ بها، وتحديداً بما انتهت اليه من تعديلات أدّت الى ولادة الصيغة الفرنسية الجديدة، بعد تعليق عمل «الخلية الرئاسية « الفرنسية، التي سعت الى تسويقها في المرحلة التي سبقت وتلت الإعلان عن «المجموعة الخماسية» في 6 شباط الماضي وحتى تعيين لودريان موفداً شخصياً للرئيس الفرنسي الى لبنان في 8 حزيران الماضي قبيل زيارته الاولى لبيروت بأيام قليلة.

على هذه الخلفيات، وفي النظر الى عوامل أخرى، فقد جاءت الرسائل الفرنسية الاخيرة في توقيتها تؤشر إلى أنّ ما طلبه لودريان من أوراق عمل في جولته الثانية من مختلف الذين التقاهم قد تعثرت ولم تتحقق. فقد كان واضحاً انّه اراد من الأطراف كافة الإفادة من مهلة العطلة الديبلوماسية الاوروبية والأميركية في آب، لإرسال هذه الأوراق التي تحدّد مواقفهم النهائية والثابتة بعد المتغيّرات التي أبرزتها جلسة 14 حزيران والمعادلة التي نشأت بعدها نتيجة التقاطع العريض بين «المعارضة» و»التيار الوطني الحر» على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور في مواجهة المؤيّدين للوزير السابق سليمان فرنجية، وبقاء مجموعة نيابية خارج الاصطفاف المزدوج بين المرشحين الرئيسيين، بالإضافة إلى ما يمكن ان يكون قد نشأ من تجدد المفاوضات ثنائية بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» .

وتأسيساً على ما انتهت اليه المعادلات الخاصة بالاستحقاق الرئاسي وشخصية الرئيس وبرنامجه، حصر لودريان رسالته الخطية بسؤالين لا ثالث لهما، وهما يختصران نقاط الخلاف بين أطراف النزاع، وهما يتعلقان بـ «المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة» و»الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلّي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع». وهما في شكلهما ومضمونهما يلخّصان ما انتهت اليه وساطة اللجنة الخماسية ومختلف المناقشات التي أحاطت بها الجهات الدولية والداخلية على حدّ سواء وهي التي تحدثت بشكل من الأشكال عن «مواصفات» الرئيس بالآتي منها على سبيل المثال:
– رئيس لا يمكن أن «يطعن» المقاومة في الظهر، وهو الوحيد المؤهل لفتح قنوات الإتصال مع سوريا لإعادة النازحين وترسيم الحدود البحرية والبرية معها وإعادة النازحين اليها من دون ان يثير غيظ او رفض بقية الاطراف التي سبقت لبنان في إعادة ترميم علاقاتها مع سوريا.
– ورئيس آخر يتمتع بمواصفات الرئيس «السيادي» و»الاستقلالي» و»الإصلاحي» الذي يمكنه إعادة وصل ما انقطع مع العالم الغربي والعربي والخليج العربي تحديداً، ويعيد بناء الدولة ومؤسساتها على هذه الأسس المفقودة.
– ورئيس ثالث وصفه أركان «اللقاء الخماسي» وعدد من الدول الصديقة للبنان، فقالوا انّ المطلوب رجل من خارج «منظومة الفساد» وان يكون «نظيف الكف» من غير المتورطين بكل ما آل بالوضع في لبنان إلى الدرك الذي بلغه.

 

وبناءً على كل ما تقدّم، فقد كشفت مصادر ديبلوماسية أوروبية وأخرى قريبة من الإدارة الفرنسية تحديداً، عن استغرابها الكبير للحملة التي تعرّضت لها رسالة لودريان بمختلف وجوهها. وخصوصاً تلك التي قالت وتحدثت بكل «جرأة» عن «اعتداء» مارسه «المفوض السامي» الفرنسي الجديد على صلاحيات المجلس النيابي، وصولاً الى من اعتبرها «إهانة» للسلطة التشريعية التي تعتبر أنّها «سيّدة نفسها» أنّها «أذلّت» أعضاءها النواب، الى ما هنالك من انتقادات زادت من نسبة الدهشة الفرنسية. وكل ذلك عدا عن الإتهام الذي طاول لودريان بخروجه في رسالته عن مضمون البيان الذي أصدره «لقاء الدوحة الخماسي» في 17 تموز الماضي الى حدّ الانقلاب عليه. وهو ما دفعها إلى الردّ عبر الوسائل الممكنة بعدد من الملاحظات التي حملت العتب ممزوجة بالقلق على مصير المبادرة، إن كانت طريقة التعاطي مع زيارته الثالثة ستتجلّى بهذه الطريقة العدائية التي لا يمكن فهمها واستيعابها بسهولة.

ولذلك ردّت المصادر على هذه الملاحظات بعدد من الأسئلة الدقيقة التي لا تخلو من الاستغراب. ولفتت إلى انّ لودريان اعاد في رسالته تذكير المعنيين بالاستحقاق الرئاسي بأبرز العناوين التي انشغل في معالجتها هو ومن سبقه الى المهمّة عينها، وملخّصها السعي الى تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف قياساً على حجم ونوعية مواصفاتها للرئيس العتيد. وانّ كل ما أراده كان بهدف جوجلة الأفكار اللبنانية بالصيغة النهائية قبل عودته بما يمكن تسميته «الورقة المشتركة» التي تفرز نقاط الخلاف عن نقاط الالتقاء، والتركيز على «القواسم المشتركة» التي يمكن أن يلتقي حولها اللبنانيون لتسهيل الطريق الى انتخاب الرئيس. فلا تقف الآلية المعتمدة عند الجلسة الاولى للانتخاب، وإقفال محضرها والتوافق المسبق على عقد دورات متتالية لا تتوقف قبل انتخاب الرئيس العتيد.

وأضافت المصادر: «إن توقف اللبنانيون امام مضمون بيان «خماسية الدوحة» وما سبقه وتلاه من مواقف دولية، ألم يتحدثوا عن المواصفات وبرنامج الرئيس، مقابل إصرّارهم على تحميل اللبنانيين مسؤولية انتخابه والقيام بهذه المهمّة الدستورية، من دون الدخول في أي أسماء، مع استعدادهم الكامل لموافاتهم فور الانتهاء منها، إلى تقديم العون والمساعدة المطلوبة للرئيس العتيد، ليكون قادراً وناجحاً في تحقيق طموحات جميع الاطراف في ادارة شؤون البلاد وقيادتها الى مرحلة التعافي والإنقاذ على مختلف المستويات».

وإلى هذه الملاحظات الغربية، فقد لفتت المصادر عينها الى انّ الإعتراض اللبناني على كون رسالة لودريان تحمل «استجواباً مرفوضاً» للنواب اللبنانيين من النقاط المحدّدة على اهميته، وطلبت اليهم العودة إلى محاضر لقاءاتهم معه، ألم تكن محصورة بهذين العنوانين مع ضرورة الاجابة عن سؤال مهمّ مفاده: «هل من فارق بين ان يكون الاستجواب «شفهياً» كما حصل في لقاءاته في بيروت، او أن يكون «مكتوباً» في الأجوبة على رسالته الاخيرة؟».