IMLebanon

التحرك الفرنسي  والجمود اللبناني

سياسة قطع الطرق صارت الرياضة الوطنية في لبنان. فلا وسيلة للاحتجاج تتقدم على قطع الطرق. ولا فرق سواء كان المطلب الذي من أجله تتم المسارعة الى قطع الطريق وطنياً مهماً أو بلدياً محلياً إن لم يكن فئوياً وربما شخصياً. لكن كل الطرق المقطوعة يعاد فتحها بالحوار والاقناع أو باستخدام القوة. والطريق الوحيد الذي لا يزال مقطوعاً منذ ٢٥ آذار الماضي هو الطريق الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وكل المحاولات لفتحه فشلت، سواء كانت داخلية أو خارجية، جدية أو رفع عتب. فهل تستطيع فرنسا اقناع اصحاب الحواجز برفعها، وهي تتحرك بتجرد ونزاهة وتضع نفسها وطاقتها في خدمة لبنان، كما قال في بيروت المسؤول عن الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو؟

الموفد الفرنسي يلعب الورقة على الأصول.

فلا هو يتكتم على مهمته الرئاسية ويأتي الى بيروت من دون قنوات مفتوحة مع واشنطن وطهران والرياض وعواصم أخرى. ولا هو يكتم القول للبنانيين إن الانتخاب مسألة وطنية لبنانية وعليهم أن يحزموا أمرهم ويختاروا رئيس دولتهم من دون تدخل خارجي. لكن الوصفة ليست فقط ان يتفاهم اللبنانيون على اسم المرشح بل أيضاً ان يرغبوا في ان تساعدهم فرنسا المستعدة لتسهيل الوصول الى اتفاق والتي ليس لها مرشح أو فيتو.

والمنطق الفرنسي هو منطق الأكثرية من اللبنانيين: استمرار الشغور الرئاسي يجعل المخاطر الكبيرة على لبنان أكبر، ويعرقل الحد الأدنى من انتظام العمل العام. فلا مجال لأن يكون انتخاب رئيس انتصاراً لفريق على آخر. ولا مبرر لإبقاء الجمهورية من دون رئيس في انتظار ما تنتهي اليه حرب سوريا، وما تأخذه الحرب على داعش والارهاب من سنوات، وما تتبلور صورته على خارطة النظام الاقليمي بعد الاتفاق النهائي على الملف النووي الايراني، وما تقود اليه اللعبة بين ايران والسعودية في الصراع الجيوسياسي المفتوح على أميركا وروسيا والصين. إذ لا أحد يعرف متى تنتهي ولا كيف تنتهي تلك الحروب والصراعات. ولا شيء يحفظ رأس لبنان وقت تغيير الدول أكثر من ملء الشغور برئيس توافقي.

لكن ما تدار به الأمور في لبنان ليس المنطق. وما تدور فيه ليس حتى الواقع الذي يفرض الواقعية في التفكير والتدبير. فمن الصعب ان تتخلى التركيبة السياسية عن عادة الربط بين الوضع في لبنان وبين كل الأوضاع والقضايا في المنطقة والعالم. والأصعب هو أن تصدّق ان اللعبة في يدها، وان تتوصل الى اتفاق اذا صدّقت خطاب العواصم.

والمفارقة ان كل هذا الاعتماد على الخارج يرافقه الشعور بالعظمة وممارسة الغطرسة.