IMLebanon

قلق أوروبي يواكب عودة باريس إلى بيان نيويورك

 

 

في الأيام الثلاثة المقبلة، ستكون لقاءات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الحدث لبنانياً. ما وصل إلى بيروت، حتى الآن، أن تحرك باريس بعد إحياء الحوار مع الرياض يضع فرنسا على سكة العودة إلى مندرجات بيان نيويورك

 

عشية زيارة الموفد الفرنسي وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان إلى بيروت، بدأت معلومات تتسرّب إلى لبنان عبر قنوات شاركت في مداولات الأشهر الأخيرة.

 

يتزامن التحرك الفرنسي مع قلق حقيقي على الوضع اللبناني لم يعد يقتصر على باريس. من الفاتيكان إلى ألمانيا وبريطانيا، ودول أوروبية ناشطة، يتعمّم جو واحد حول مستقبل لبنان، وتساؤلات عن حقيقة ما يجري فيه ومصير نظامه والخوف من أن يكون الفراغ الرئاسي طويل الأمد، فلا تنجح أي محاولات لبنانية صافية أو بإيحاء خارجي لانتخاب رئيس للجمهورية. ولم يعد الضغط الفاتيكاني عابراً، وهو يتعدى الاهتمام بمسيحيي لبنان فحسب، إذ صارت القضية أكبر بالمعنى الشامل لمعنى وجود لبنان، وسط حرص الكرسي الرسولي على حث باريس وعواصم فاعلة على تنشيط الحركة لمعالجة أزمة لبنان ككل، انطلاقاً من الضغط لإنهاء الشغور الرئاسي كلبنة أولى، تمهيداً لوضع تصور عام لكيفية الحفاظ عليه.

 

ما استجدّ فرنسياً هو استكمال لجو أوروبي يتوسّع ويناقش على مستويات عالية. والمفارقة أن خطورته لا تنعكس على القيادات اللبنانية الغارقة في اليوميات. فزيارة لودريان لم يتحدد موعدها إلا بعد تحوّل محوري ربطاً بالدور الفرنسي في لبنان والمنطقة، أعاد فرنسا ودورها تحت مظلة اللجنة الخماسية ومنطلقات بيان نيويورك الثلاثي الصادر في أيلول 2022، مع كل ما حمله من توجهات سياسية واقتصادية وأمنية لم تلاق حينها ترحيباً من بعض القوى اللبنانية.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن فرنسا منذ البيان المذكور، وربطاً بما اعتبرته انكفاء سعودياً مباشراً عن الأزمة اللبنانية وابتعاداً عن التدخل بطريقة مباشرة، وبموقف واشنطن التي لم تعط إشارات واضحة حول مسار الوضع اللبناني، حاولت الاجتهاد ووضع خطة تصور لتحقيق خرق ما في المأزق اللبناني. ومع وصول المبادرة الفرنسية إلى أفق مسدود، تحرّك الدور القطري بإيحاء سعودي – أميركي في اتجاه لبنان. وكان هذا التحرك إيذاناً بأن هناك أطرافاً لم تبد ارتياحها للأداء الفرنسي واتجاهاته. علماً أن اللجنة الخماسية التي انعقدت في باريس لم تستطع إصدار بيان نظراً إلى تباينات تحكّمت بالمشاركين فيها ورؤيتهم لما يمكن القيام به، فظلّت نار الخلافات تحت رماد حوارات متقطّعة، إلى أن ظهر أن فرنسا تقف عاجزة عن تحقيق أي خرق. لم تستطع إدارة إيمانويل ماكرون تحمّل تبعات فشل دبلوماسي من هذا النوع، تزامناً مع ضغط أوروبي في اتجاه وضع إطار الحل، الأمر الذي دفع هذه الإدارة إلى إعادة قراءة متجدّدة لدورها ومستقبل علاقاتها مع لبنان ومكوّناته جميعاً، على أساس التوازن التام بينها، انطلاقاً من ترتيب علاقاتها مع الدول العربية المشاركة في اللجنة الخماسية. ولم يكن ممكناً إحياء الدور الفرنسي إلا بعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، علماً أن لزيارته أهدافاً ثنائية واقتصادية مختلفة، بعد مراحل متقطّعة في العلاقات الثنائية شهدت فتوراً وتباينات في ملف لبنان والنظرة إلى دور سوريا، ومن ثم تجديداً للحوار. وفُهم أن باريس سعت إلى طلب إعادة التعاون المشترك وتجديد موقعها ودورها في المعادلة اللبنانية، بعدما تقدّم دور قطر في لبنان. وقد استجابت الرياض والدول الأخرى لرغبة باريس في إعادة إطلاق التنسيق وآلياته، وعودة اللجنة الخماسية إلى السكة. وتوازياً لم تستطع باريس الحصول على أجوبة واضحة ونهائية حول آفاق الحوار السعودي – الإيراني وانعكاسه على لبنان وسوريا، علماً أن طهران تحاول في أي حوارات إقليمية أو دولية تأكيد فصلها الساحات بعضها عن بعض.

 

 

لم تأت زيارة لودريان ربطاً بما حصل في جلسة الانتخاب الأخيرة. لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن لنتائجها أن تشكل عوامل مساعدة في ما تحضر له فرنسا، أولاً للاستماع إلى ما يقوله القادة اللبنانيون، وثانياً لاستخلاص نتائج عملية من جولة أفق واسعة، يكونها الموفد الفرنسي المطّلع على تفاصيل الوضع اللبناني وتشعباته، خصوصاً أن الانطباع العام أن الانتخابات الرئاسية لا تزال قادرة على أن تكون لبنانية الصنع، من دون تدخل خارجي، لكنّ المسار العام الذي يتخذه الدفع نحو استمرار الشغور، يجعل أركان اللقاء الخماسي يشكّكون في ما يمكن أن يُرسم للنظام اللبناني. يبقى أن الحركة الفرنسية المتجددة لا تزال تحتاج إلى إشارات أكثر وضوحاً في ما يتعلق بالاتجاه الأميركي في لبنان والمنطقة. في حين أن لودريان يحطّ في بيروت تزامناً مع جولة مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربارا ليف التي بدأتها بإسرائيل وفلسطين وتستكملها في الأردن، وهي سبق أن وجّهت رسائلها حول خطورة الوضع اللبناني وتحذيرها من انهياره وضرورة تحمّل المسؤولين اللبنانيين مسؤوليتهم في عملية الإنقاذ.