لا يمكن لأي طرف في لبنان الاستخفاف بالحراك الفرنسي المكوكي منذ بدء الشغور الرئاسي وما قبله، بدءاً بحراك السفيرة السابقة آن غريو، التي رافقت وزيرة الخارجية كاترين كولونا على الرغم من انتهاء ولايتها في لبنان، مروراً ببيار دوكان السفير المكلّف تنسيق الدعم الدولي للبنان، وصولاً الى المبعوث الرئاسي الخاص جان ايف لودريان، سعياً لحل توافقي للأزمة الرئاسية. علماً انّ هذا الاهتمام بلبنان ارتفعت وتيرته على مستويات اعلى مع اندلاع حرب «طوفان الأقصى» التي جمّدت الملف الرئاسي بالنسبة الى البعض، انما استُكمل الاهتمام الفرنسي على صعيد أعلى، تمثل بمهّمة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، التي تتولّى مهمّة تنفيذ القرار 1701، حاملةً رسائل تحذيرية الى لبنان، وملفات اخرى ابرزها الملف الرئاسي. وفي الوقت الذي استنتج البعض انّ حرب غزة جمّدت الاستحقاق الرئاسي، يكشف مصدر ديبلوماسي فرنسي لـ»الجمهورية» عكس ذلك، مؤكّداً انّ فرنسا واللجنة الخماسية التي كانت ترى الاستحقاق الرئاسي ضرورة داخلية لاستعادة التعافي الاقتصادي للبنان، باتت تراه اليوم ضرورةً اقليمية.
وفي السياق، يقول المصدر الفرنسي، انّ الملف الرئاسي اذا أتى ضمن تسوية في المنطقة فسيكون الامر خسارة للبنان في رأي فرنسا، أما اذا استطاع لبنان تدارك ضرورة حلحلة الملف الرئاسي فسيكون مشاركاً ولاعباً اساسياً في اي مسار سياسي مستقبلي، ولن يعود بنداً في التسوية بل سيكون حاضراً على الطاولة له وزنه وكلمته ويمثل حيثية معينة على الارض. وهذا افضل له كدولة. ويشير المصدر نفسه الى انّه من هنا كان التحرّك المكوكي الفرنسي والإصرار على حلحلة الملف. منبّهاً اللبنانيين من انّ القطار سيسبق لبنان اذا لم يخلّص نفسه بنفسه، ومعلّقاً: «كونوا على الطاولة وليس على أجندة الطاولة، كونوا لاعبين ولا تكونوا بنداً في اتفاق».
وفي السياق، يكشف المصدر، انّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي كان مقرّراً ان يزور لبنان في اسبوع الميلاد، لم يلغ زيارته بسبب الوضع المقلق في الجنوب، بل ألغاها بسبب عدم وجود رئيس للجمهورية. وتساءل: «من سيستقبل الرئيس ماكرون، وبمن سيلتقي ومع من سيتباحث في ظل عدم وجود رئيس للبنان؟ وماذا سيبحث مع حكومة تصريف اعمال؟». وقال: «لأجل ذلك ألغى الرئيس ماكرون زيارته للبنان، عسى ان يدرك المسؤولون أهمية الفرص التي تُهدر بسبب غياب رئيس الجمهورية».
مهمّة كولونا
عن مهمّة كولونا يقول المصدر: «انّ لها بعداً اقليمياً وتحديداً في جنوب لبنان، وهي العمل على تنفيذ القرار 1701»، مؤكّداً «انّ فرنسا لم توفد كولونا لكي تفرض شروطاً اسرائيلية على الدولة اللبنانية مثلما ما اشاع بعض الوسائل الاعلامية، بل انّ كولونا في الواقع كانت في تل ابيب قبل وصولها الى لبنان، ومن هناك قالت للجانب الاسرائيلي انّهم المسؤولون بدرجة كبيرة عن عدم تطبيق القرار 1701». ولفت المصدر الى أنّ تشديد كولونا على تطبيق القرار 1701 كان موجّهاً للجانبين الاسرائيلي واللبناني. اما بالنسبة الى جهود الحراك الفرنسي المتواصل في لبنان فهي جهود جدّية هدفها الوصول الى حل في كافة الملفات اللبنانية العالقة وأهمها تجنّب لبنان الحرب.
وكشف المصدر عن خشية فرنسية من «وقوع حرب كبيرة وجدّية اذا لم يتمّ تطبيق القرار 1701 بحذافيره». وقال: «انّ هناك تخوفاً فرنسياً من الّا تنتظر حرب غزة انتهاء مساعي كولونا، بل يمكن ان تنفلش هذه الحرب في اي لحظة وتتفلّت الامور من اليد وتنسحب على لبنان».
ويؤكّد المصدر الفرنسي انّ هناك جواً عاماً في اسرائيل نقلته الوزيرة كولونا الى الجانب اللبناني، وتحديداً الى المسؤولين المعنيين، مفاده انّ الوضع خطر وانّ رفاهية الوقت غير متاحة. اما بالنسبة الى الجانب الفرنسي، فإنّ تأمين الاستقرار على الحدود الجنوبية هو الهدف اليوم، ولهذا فإنّ فرنسا معنية بتنفيذ القرار 1701 ولأجله تتواصل كولونا مع الجميع، في محاولة للعودة الى ما كان عليه الوضع منذ عام 2006 حتى 2023، الذي كان وضعاً لا بأس به، بحسب تعبير المصدر الفرنسي، مع التركيز على الخروقات الاسرائيلية للقرار 1701. ويكشف المصدر عن «نيات حسنة شعرت بها كولونا، حيث ابداها المسؤولون اللبنانيون الذين يرغبون باحترام تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ولا سيما منها القرار 1701». في المقابل، يقرّ المصدر الديبلوماسي الفرنسي «بأنّ الموضوع لن يكون سهلاً انما التواصل مستمر والمسعى الفرنسي ايضاً».
كولونا والحزب
وفي السياق، كشف المصدر انّه «لم يكن لكولونا اي تواصل مباشر مع «حزب الله» خلال زيارتها هذه، لأنّ التواصل معه مستمر مع الديبلوماسية الفرنسية والسفارة، ولا حاجة لتواصلها المباشر معه. فهي تلتقي مع المسؤولين الرسميين الأساسيين. اما السؤال الذي يوجّه دائماً الى الديبلوماسية الفرنسية، وهو لماذا التكلم مع المسؤولين طالما انّ القرار في يد «حزب الله»، الّا انّ فرنسا تعلم انّ هناك وجوداً للحزب انما ليس ظاهرياً، وهذا الالتباس هو الذي يلعب عليه الحزب دائماً».
وأوضح المصدر، انّ الجميع اصبح يعلم أن ليس هناك من إمكانية لوقف التصعيد في الجنوب من دون ان يكون هناك وقف لإطلاق النار، وانّ احتمال الحرب وارد في اي لحظة، بعكس ما يحلّل المسؤولون اللبنانيون من انّه «لو انّ الحرب ستندلع لكانت اندلعت قبل الآن»، وقال: «لا يمكن التكهن حول نية المسؤولين المعنيين في اسرائيل وحاجتهم لإطلاق حملة عسكرية في جنوب لبنان لأسباب سياسية داخلية وامنية، قد يرونها تتناسب مع مصالحهم! ولا صحة لما يُحكى عن احتمال انتشار القوة الفرنسية العاملة ضمن قوات «اليونيفيل» ويبلغ عديدها 700 جندي على ضفتي الحدود الجنوبية».
واوضح المصدر «انّ الشغور في المراكز الحساسة في دولة لبنان وضمناً فراغ رئاسة الجمهورية، يشكّل مصدر قلق للديبلوماسية الفرنسية». لافتاً الى انّ الموفد الرئاسي لودريان هو المولج بمتابعة الملف الرئاسي بتكليف من الرئيس الفرنسي وليس من كولونا، الّا انّها بالطبع تطرقت الى هذا الملف خلال محادثاتها مع المسؤولين اللبنانيين. وقال: «انّ لودريان سيكون له تحرك في هذا السياق في المنطقة بداية السنة المقبلة، يبدأه من الرياض والدوحة قبيل مجيئه الى لبنان».
وكشف المصدر الديبلوماسي الفرنسي «انّ الدول الخمس التي اكّدت سابقاً الحاجة الى انتخاب رئيس ينفّذ البرنامج الاصلاحي مع البنك الدولي، وذلك لتحقيق التعافي الاقتصادي والحاجة الداخلية اللبنانية، ترى اليوم بما فيها فرنسا، انّ انتخاب الرئيس اصبح ضرورة اقليمية».