Site icon IMLebanon

“الورقة الفرنسية”: إسرائيل رفضت الاقتراحات اللبنانية

 

 

فوجئت الأوساط اللبنانية التي تلقّت ما سُمّي «النسخة الجديدة» للورقة الفرنسية انّها «احتفظت بالقديم على قدمه»، وكأنّها استنسخت مجدداً الورقة الاولى التي حملها وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه الى لبنان قبل شهرين. ولذلك كان الردّ اللبناني بنسخة منقّحة عن الردّ السابق الذي أُعدّ منتصف آذار الماضي. وهو ما أنهى أي أهمية لحصيلة اللقاءات الأخيرة في الإليزيه وبيروت. وعليه، ما الذي عزز الاعتقاد بأنّ النسخة الجديدة عادت بالورقة الى نقطة الصفر؟

ما بين مساء الأحد في 27 نيسان الماضي ومساء اليوم التالي، أمضى وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه للمرّة الثانية، ساعات من المفاوضات في بيروت التقى خلالها المسؤولين اللبنانيين الكبار، متحدثاً عن تعديلات فرنسية جديدة طرأت على الورقة الاولى التي تسلّمها لبنان عقب زيارته الاولى لبيروت مطلع آذار الماضي. ولّما سأله رئيس مجلس النواب نبيه بري عن النص الجديد، اكّد له أنّه سيكون بين يديه في غضون أيام تلي جولته في المنطقة التي شملت بيروت والرياض وانتهت بتل أبيب.

وفي ضوء المعلومات الشحيحة وغياب التفاصيل الدقيقة عن التعديلات الفرنسية الجديدة، اتضح انّ الورقة كانت في تل أبيب، في محاولة فرنسية لاستباق زيارة سيجورنيه لها في ختام جولته، بالحصول على الاقتراحات الاسرائيلية حول الجديد فيها، والذي ارتبط الى حدّ بعيد بالتعديلات اللبنانية التي أُضيفت اليها في لقاء الاليزيه الأخير بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي شارك قائد الجيش العماد جوزف عون في جانب منها.

 

ولا تنسى مراجع ديبلوماسية عند روايتها للوقائع التي شهدتها هذه المرحلة، ان تضيف إليها ما تبلّغه الجانب الفرنسي من ملاحظات جديدة لرئيس مجلس النواب نبيه بري باسمه الشخصي وبالإنابة عن قيادة «حزب الله»، التي اوكلت اليه مهمّة المفاوضات بكل اللغات التي يتقنها ومع جميع الأطراف التي يمكن ان يلتقي بها، وخصوصاً انّ الساحة قد خلت من أركان الدولة، وبات الامر رهن التنسيق مع ميقاتي في غياب رئيس الجمهورية وأي من الاطراف الاخرى التي أُبعدت عن مفاوضات الإليزيه والسرايا الحكومي وعين التينة وأي عاصمة أخرى يمكن ان تتناول هذا الملف من أي جهة كانت.

 

عند هذه المؤشرات توقفت المراجع الديبلوماسية والسياسية وانتظرت لأيام المشروع الفرنسي الجديد المقترح على جميع الأطراف، ولكن ما كان مفاجئاً بُني على ما جاء به النص الجديد من أفكار متكرّرة تبلّغها لبنان في مطلع أيار الجاري فيما كان سيجورنيه قد عاد إلى باريس. ولما سلّمت نسخة إلى كل من بري وميقاتي حفظها الثاني انتظاراً لجواب بري، بعدما أجرى قراءة سريعة لها بحثاً عمّا كان قد قدّمه من شروحات في لقاءات الإليزيه فلم يجدها. فيما أحالها بري إلى اللجنة المشتركة لدى «الثنائي الشيعي» بحثاً عن الجديد الذي يمكن ان يشكّله موقف قيادة «حزب الله» بعد الدرس والتدقيق.

 

كان ذلك قبل ان يكتشف الجميع انّ «الورقة الثانية» لم تحمل جديداً خارج ما حملته «الاولى» على رغم من بعض التعديلات التي قدّمت عبارة على اخرى، وبقي المضمون واحداً ولم تنفع التعديلات التي استبدلت عبارة بأخرى تحمل المعنى نفسه. ولما انهالت الاسئلة على الجانب الفرنسي كان الجواب الذي حمل أوضح عبارات التبرير من دون ان يحتمل أي تفسير. فالحكومة الإسرائيلية التي تسلّمت الورقة فيما كان سيجورنيه في بيروت، أنهت درس التعديلات التي صاغها الاليزيه استناداً الى بعض الاقتراحات اللبنانية التي قُدّمت خلال لقاءات باريس، وجاءت لتحمل عبارات الرفض المطلق لها، ووجدتها بأنّها «لا توحي بموازين القوى ولا يمكن القبول بها». ذلك انّ «إسرائيل لم تخسر الحرب بعد»، وليست على استعداد للتنازل عن اي «موقف جاد وحاد» سبق للحزب ان رفضه الى حّد «رفض الاستسلام»، على حدّ ما قالت إحدى الملاحظات الاسرائيلية على الورقة.

 

وعليه، قالت المراجع الديبلوماسية التي كشفت عن هذه المعلومات ورفضت الغوص في تفاصيل ما حملته الورقة على اساس انّها «قديمة»، وقد تمّ تجديدها بطريقة لم تحمل اي تطور ايجابي يمكن التوقف عنده. ولم تخف المصادر حجم الخيبة الفرنسية التي نقلت هذه الأجواء، فهي مننت النفس باحتمال التوصل الى اقتراحات جديدة تفتح باب المفاوضات مجدداً حتى ولو انتظر الجميع وقفاً للنار في غزة. وقد سبق ان وعدت باريس، بأجواء مماثلة على اساس انهّا ستُترجم بالصيغة الجديدة، ليس استناداً إلى ما انتهت اليه لقاءات باريس مع ميقاتي والاتصال بين ماكرون وبري، بل انّها استندت الى جديد قد توصل اليه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في لقاءاته الإيجابية في واشنطن قبل ان تتبخّر كل هذه الأجواء.

 

وبناءً على ما تقدّم، جاء الجواب اللبناني الذي تسلّمه السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو أول من امس بصيغة منقّحة للصيغة السابقة التي تسلّمها منتصف آذار الماضي عقب المحاولة الفرنسية الاولى، وهو «يشدّد على انّ لبنان يرفض الحرب ولا يريدها». وطالما انّ الأجواء التي أعقبت «حرب الإسناد والإلهاء» قد انتهت الى اعتماد الآلية الي تحدث عنها القرار 1701 مخرجاً للوضع في جنوب لبنان، فهو يصرّ على «تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته، وما قال به على الحدود وفي الجانبين منهما». فلا يجوز «ان يعترف لبنان بحق اسرائيل ببعض الترتيبات على الحدود إلى الجانب اللبناني إن لم تعترف هي بما عليها القيام به إلى الجانب الآخر من الأراضي الفلسطينية المحتلة».

 

وأضافت المصادر، انّ «السعي الى السلام إن اراده الجانب الاسرائيلي كما يريده لبنان ويفهمه «يفرض ان يلتزم الطرفان بالتعهدات المتبادلة والمطلوبة، مع ما تقتضيه الظروف من انسحاب من مختلف النقاط المحتلة المنتشرة على طول الحدود الدولية، ونسيان ما كان يُسمّى «الخط الازرق». ففعاليته تكون قد انتهت «فلا يجب ان ينسى أحد أنّه كان «خط انسحاب» تنفيذاً للقرار 425 وليس خطاً حدودياً كما تّم ترسيمه عام 1923 واعترفت به الامم المتحدة واسرائيل في أكثر من مرحلة اساسية، وخصوصاً لدى الأمم المتحدة عند الاعتراف بوجود دولة إسرائيل التي عليها احترام حدود لبنان الدولية، كما في إحدى الفقرات الأولى من اتفاقية الهدنة المعقودة في آذار من العام 1949 التي أكّدت النقاط عينها، ولا يمكن تجاهل أهمية اي منها او التراجع عنها».

 

عند هذه المعطيات تعزز الاعتقاد لدى المراجع الديبلوماسية والسياسية التي عاينت الردّ اللبناني ومدى تطابقه مع الجديد الذي لم يصل مع الورقة الفرنسية، انّ الامور عادت الى نقطة الصفر ومعها ما سُمّي «المبادرة الفرنسية»، وانّ الرهان سينتقل في الايام المقبلة الى خيارات اخرى قد تأتي من واشنطن بعد التهدئة في غزة، او من أي عاصمة أخرى غير باريس.