“الورقة الفرنسية” الثانية أو “المعدّلة” التي قدّمها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الى رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ليس خلال زيارته الأخيرة الى لبنان، إنّما بعدها بساعات وأثناء استكمال جولته على المنطقة التي شملت الرياض و”تلّ أبيب”، بهدف جعلها “ورقة مقبولة” من جميع الأطراف، يبدو أنّها “وُلدت ميتة”… فهل كانت هذه الورقة التي ردّ عليها لبنان بشكل رسمي محاولة لـ “جسّ نبض” حزب الله من مسألة تراجع فرقة الرضوان عن الحدود الجنوبية، قبل وصول المقترحات الأميركية المقرّرة والمرتقبة؟ أمّ أنّها مجرد “مبادرة متجدّدة” تهدف الى إضاعة الوقت قبل وصول “كلمة السرّ”؟
أوساط ديبلوماسية مطّلعة تحدّثت عن أنّ بنود الورقة الفرنسية تبدو بالكامل، على ما نُشر منها، لمصلحة العدو الإسرائيلي، وليس فيها بند واحد يصبّ في مصلحة لبنان. ففي المرحلة الأولى تفيد عن وقف العمليات العسكرية داخل “إسرائيل” وفي “المناطق المتنازع عليها”. وهذه الأخيرة يبدو أنّها تعريف جديد لمنطقة مزارع شبعا والغجر والنخيلة وتلال كفرشوبا. فهل سيوافق حزب الله على هذه المرحلة؟ بالطبع لا.
كذلك تنصّ في المرحلة الثانية على “وقف الطلعات الجوية الإسرائيلية”، على ما اضافت الاوساط، فهل سيوافق العدو الإسرائيلي عليها؟! وفي ما يتعلّق بدعم انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، فلماذا إبقاء هذه النقطة غير واضحة؟ ومن هو الذي “سيدعم” الجيش، الحكومة اللبنانية أم دول الخارج؟ وأيّما بالتحديد أميركا أو فرنسا أو سواهما ولماذا؟
وفي المرحلة الثالثة التي تنصّ على الدخول في مفاوضات لإخلاء المنطقة بين الخط الأزرق والليطاني من القوى المسلحة باستثناء الجيش و”اليونيفيل”، على ما تساءلت الأوساط نفسها، فكيف سيتحقّق ذلك، وما هي الآلية المقترحة؟ كذلك فإنّ الحديث عن دعم التنمية في الجنوب، يطرح السؤال الآتي: ولماذا الجنوب فقط؟
وفي ما يتعلّق بترسيم الحدود البريّة الذي سيجري لاحقاً من خلال المفاوضات غير المباشرة، على غرار ما حصل في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، أشارت الاوساط الى أنّ المساومة هنا ستكون مرتفعة أكثر. بمعنى أن المطالبة بالخط 29 البحري كان مستنداً إلى القانون الدولي والدراسة التقنية. أمّا وقد صادرت الدولة قرار ترسيم الحدود، ومارسته بشكل منفرد من دون الرجوع إلى البرلمان أو الشعب، فالآن ستكرر التجربة مع الحدود البرية. ولهذا تخشى الاوساط من أن يُصار الى التخلّي عن القسم الشمالي من بلدة الغجر، وعن النخيلة ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وحتى النقطة “بي.وان”، ورأس الناقورة.
وأوضحت الأوساط ذاتها أنّ الورقة الفرنسية تُسمّي الأراضي اللبنانية المحتلّة كلّها “مناطق متنازعا عليها”. وهذا يعني أنّ المسألة قابلة للمساومة أو للنقاش، على ما قيل، ولهذا فلعلّ ما سيحصل لبنان عليه، هي النقاط الـ 12 أو حتى أقلّ، لأنّ الغجر لن يستعيدوها… وكذلك نقطة الـ “بي.وان”. وقد تحصل مساومات في إحدى النقاط الأخرى لأنّه لم يعد باستطاعتنا تغيير المعالم الطوبوغرافية التي تغيّرت في الأصل.
وإذ ذُكر أنّ الورقة الفرنسية الأولى لا تختلف في الجوهر عن الورقة الثانية أو “المنقّحة”، رغم أنّ الأولى كانت مرفوضة من قبل المسؤولين اللبنانيين، شكّكت الأوساط الديبلوماسية في أنّ ما نُشر هي الورقة الكاملة، متسائلة: أين العنوان الذي يتحدثون عنه؟ وما دامت الورقة مرفوضة من قبل حزب الله، ومن المسؤولين الذين أجرى سيجورنيه وسواه المحادثات معهم، فلماذا الأخذ والردّ، ووضع الملاحظات عليها، إذا كانت فرنسا لن تأخذها بالاعتبار؟
أمّا مسألة تراجع قوّة الرضوان نحو 10 كيلومترات من جنوب الليطاني الى شماله، فهي بالنسبة للبنان وللحزب، إزاحة الجبال من مكانها. فبماذا سيفيد وضع مثل هذا البند في الورقة الفرنسية؟ ومن المنطقي والطبيعي عدم مغادرة الحزب لأرضه لأي سبب كان، فمن المستحيل إخلاء الأرض للعدو، حتى وإن كانت الحكومة اللبنانية لم تُعلن عن ذلك. أمّا التذرّع “الإسرائيلي” بأنّ السكّان في شمال “إسرائيل” لن يقبلوا العودة، فالحكومة نفسها أمرتهم بالإخلاء، وهي اليوم تحتج بهم.
وفي ما يتعلّق بوضع أبراج مراقبة على الحدود، فهو بحدّ ذاته مطلب مرفوض بالمطلق، كونه يُشكّل انتقاصاً من السيادة اللبنانية، ومن قدرات الجيش اللبناني في المنطقة الجنوبية، ويُعتبر مطلباً لا طائل تحته. ثمّ هل هنالك تفاصيل دقيقة حول العرض الإنكليزي؟ يُقال انّ الدوائر العسكرية عرضتها على لبنان وليس السفير البريطاني هاميش كاول. ولماذا ليس هناك من تفاصيل حول هذا العرض؟ عرضوا ماذا بالتمام؟ ما هو شكل هذه الأبراج، ومهمتها وكيفية تشغيلها وكلفتها؟ فقد سبق وأن وضعوا أجهزة مراقبة.
ومن الملاحظ، على ما عقّبت الاوساط، أنّ أبراج المراقبة التي يتم ضربها إما تحمل معدات وميكروفونات عادية، وإما تكون ضمن مجموعة من المنشآت الإسمنتية التي تحتوي على معدات إلكترونية متطورة وتحتوي على جنود يديرونها. فعندما يتحدث الإنكليز عن أنهم سيقدمون أبراجا، هل يقصدون الوسائل البسيطة أم المعدات المعقدة والمكلفة بالتالي؟! أين الشفافية هنا؟ وما هي هذه الابراج؟ وما هي مهمتها الأساسية؟ هل فقط لمنع التسلّل؟ أم لمراقبة الحشود العسكرية، وضبط منصّات إطلاق الصواريخ، والتصوير وما الى ذلك؟ لم نفهم صراحة لماذا يريدون وضع أبراج المراقبة هذه؟ كذلك من الذي سيُراقب “اليونيفيل”؟ ومن سيُبلغ الجيش في حال رأى خرقاً ما؟
من هنا، يبدو أنّ الورقة الفرنسية “وُلدت ميتة”، أو لعلّها “ورقة ساقطة” كونها لا تصلح للنقاش، والهدف منها وضع شروط تعجيزية وسخيفة ومردودة. وحزب الله يرفض تطبيقها كونها تمسّ بالسيادة اللبنانية، وتتعامل معه على أنّه “خاسر” وليس منتصراً في المواجهات العسكرية الحاصلة اليوم بينه وبين العدو الإسرائيلي منذ 8 تشرين الأول الفائت وحتى اليوم. في حين أنّ العكس هو الصحيح.