يغيب الدور الفرنسي عن الساحة الداخلية، بعدما طغى الحضور الأميركي في الآونة الأخيرة على الحضور الفرنسي اللافت والمباشر في السنتين المنصرمتين، إذ يُتوقّع بحسب معلومات موثوق بها، أن يصل موفد أميركي إلى بيروت في وقت قريب من أجل متابعة بعض الملفات التي تهتم بها واشنطن على الساحة اللبنانية، لا سيما ما آلت إليه مسألة ترسيم الحدود، والتي شهدت نهاية لهذا الملف، حيث أدخل الساحة الداخلية في أجواء خلافية وانقسامية وجدل وتباينات بين الأفرقاء السياسية، إضافة إلى ذلك، هناك متابعة حثيثة من واشنطن للإستحقاق الإنتخابي النيابي، وحيث توليه اهتماماً خاصاً، وذلك ما ظهر جلياً من خلال مواقف السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، والتي تلتقي ببعض هيئات المجتمع المدني وسواها من القوى، على خلفية رهان واشنطن على متغيّرات قد تحصل في الإنتخابات النيابية القادمة، ليبنى عليها في عملية الإصلاح المالي والإداري وإنتاج سلطة سياسية جديدة.
في حين، تابعت المعلومات، أن الإهتمامات الأخرى من قبل الإدارة الأميركية التي سيحملها معه الموفد الأميركي تتمثّل بمواصلة الدعم للجيش اللبناني وزيادة البرامج والمساعدات للمؤسّسة العسكرية، وحيث باتت هذه العملية مفتوحة بين بيروت وواشنطن، هذا بالإضافة إلى برامج أميركية تتم بالتنسيق مع مؤسّسات دولية حول مساعدات طبية وتربوية وإنسانية، وهناك اتجاه جدّي لرفع حجم هذه المساعدات في ظل الوضع القائم على الساحة المحلية على خلفية إفلاس مؤسّسات الدولة وحاجات الناس الملحّة على الأصعدة الطبية والإجتماعية والمعيشية.
وفي هذا السياق، تعتبر جهات سياسية متابعة، بأن الدور الأميركي يتمايز عن الدور الفرنسي والأوروبي، ومن الطبيعي عن نظرة موسكو للملف اللبناني، بمعنى أن واشنطن ما زالت داعمة للمساعي والمبادرات الفرنسية مع بعض التباينات في طريقة تعاطي باريس مع الفئات والأطراف والقوى اللبنانية، إذ لا يحبّذ الفرنسيون العقوبات على بعض المسؤولين اللبنانيين، وكذلك، مقاطعة قوى سياسية وحزبية، ولكن، تؤكد الجهات السياسية نفسها، أنه وخلال الشهرين الماضيين برزت أجواء فرنسية تشكّل مقاربة توافقية مع الإدارة الأميركية تجاه الملف اللبناني، بمعنى أن العاصمة الفرنسية باتت متشدّدة تجاه بعض الأطراف اللبنانية، وفي رفع منسوب لومها للسلطة اللبنانية ولقوى ومرجعيات سياسية وحزبية، والبعض يرى أن هذه المواقف تصبّ في خانة اقتراب الإنتخابات الرئاسية الفرنسية، وحيث يعوّل الرئيس إيمانويل ماكرون على أصوات اللبنانيين المتواجدين في فرنسا، وصولاً إلى الأحزاب اليمينية وأصوات اليهود، مما يعني في المحصلة، أن تراجع المساعي الدولية من أجل حلّ الأزمة اللبنانية لم يقتصر على الأميركيين، بل بدأ ينسحب على الفرنسيين وسواهم، على اعتبار أن جميع الدول المعنية بالشأن الداخلي اللبناني لن تقدم على أي خطوة أو مساعٍ أو تسوية، إلا بعد حصول الإنتخابات النيابية المقبلة، وعندها يبنى على الشيء مقتضاه حول كيفية الحلّ، تمشياً مع ما ستؤول إليه نتائج هذه الإنتخابات.
ويبقى وفق هذه الأجواء أن تأجيل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان زيارته إلى لبنان للمرة الثانية فذلك قد يكون له اعتباراته الفرنسية والدولية بمعنى أن باريس قد تكون من أكثر المنتظرين والمرتقبين للمسار الإنتخابي وحيث يوليه الرئيس ماكرون عنايته الشخصية وقد أكد ذلك لأكثر من مسؤول لبناني التقاه خلال زيارته إلى بيروت أو عبر التواصل المستمر من دوائر الإيليزيه مع شخصيات لبنانية والمتعارف عليه بدأ يتضح بأن المجتمع الدولي يعمل على تعاطيه مع لبنان من زاوية المساعدات الإنسانية والإجتماعية بانتظار تبلور صورة الوضع السياسي والإنتخابي وافقليمي في المنطقة.