خرجت من المحاباة فلمست إحاطة لافتة للودريان في زيارته إلى الرياض
نجح الموفد الرئاسي الفرنسي جان -إيف لودريان في إعادة إنتاج دور باريس لبنانياً، بمجرّد أن أخرجها من معادلة ترئيس رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. لكنه نجح أيضا في استقطاب الإهتمام السعودي بعد البرودة التي تعاملت معها الرياض نتيجة رفضها جعل انتخاب الرئيس مناسبة لكي تعيد المنظومة إعادة تدوير نفسها بعد الضمور الذي أصابها في السنوات الثلاث الأخيرة.
ولا ريب أن زيارة لودريان الى الرياض، حيث التقى بوزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود بمشاركة المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، وهو المتابع للملف اللبناني، والسفير وليد البخاري الذي غادر بيروت على عجل بفعل هذا اللقاء الذي رُتّب سريعا، شكّلت استنهاضا لمهمته، تماما كما أشّرت إلى اهتمام سعودي بالمستجدّ الفرنسي الذي كرسه الموفد الرئاسي بمجرّد أن نعى خيار فرنجية، داعيا إلى شحذ الهمم للتوافق على خيار ثالث.
بذلك يكون الموفد الفرنسي قد شذّب اليباس والوهن الذي لحق بمهمته، وبالمسعى الفرنسي عموما الذي ابتدأ ناقصا بمجرّد أن ظنّت خلية الأزمة في الإليزيه أن محاباة حزب الله ومداراته هما المدخل الوحيد إلى انتخاب الرئيس. واستطرادا، صارت المجموعة الخماسية على رأي واحد، خلف المواصفات التي أصرّت عليها الرياض، وهي تتمثّل برئيس خال من الفساد المالي والسياسي، يقطع كليا مع المنظومة وماضيها وممارساتها. وهو ما ينطبق حكما على رئيس الحكومة، ولاحقا باقي رؤوس المؤسسات متى آن أوان التغيير.
تعزّز الاستدارة الفرنسية المحدّثة والمقاربة الواقعية التي صار عليها لودريان، إمكان استعادة الرياض اهتمامها بلبنان. سبق له أن أعلم بعض من التقاهم في زيارته الأخيرة لبيروت أنه بات على ثقة بأن لا حلّ رئاسيا سوى بالتوافق على مرشح يحظى بالقدر الأكبر من القبول اللبناني والخارجي، وتاليا لا بد من إسقاط خيارّي فرنجية الوزير السابق جهاد أزعور. لكنه ظلّ حذرا في طرح أي اسم، تاركا الأمر على همّة التوافق اللبناني.
هذا التحوّل الفرنسي توقّفت عنده الديبلوماسية السعودية. وتلمّست باريس اهتمام الرياض بزيارة لودريان. كما باتت تتحدث عن إمكان استعادة الانخراط السعودي بعد ضمور. ولا يخفى هدف فرنسا هذا الذي تعثّرت مرارا في تحقيقه بفعل موقف الرياض الرافض للمقاربة الفرنسية السابقة.
تأسيسا على هذا الواقع، تُنتظر عودة لودريان أوائل تشرين الأول لمعرفة المدى الذي ستذهب إليه فرنسا. ولا يبدو أن مهمته محددة زمنيا خلافا لما تردّد، خصوصا بعدما جدد الرئيس إيمانويل ماكرون الثقة فيه، بما يعني انحيازه إلى رؤية مبعوثه لا المقاربة (محاباة حزب الله وترئيس فرنجية) التي سار بها المستشار الرئاسي باتريك دوريل على مدى أشهر طويلة من دون أن تصل إلى النتيجة المبتغاة.
سبقت هذا التطور الفرنسي – السعودي مسارعة الإدارة الأميركية عبر أكثر من مسؤول، آخرهم المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية دان سامويل وربيرغ، إلى نفي أي خلاف أميركي- فرنسي في المسألة اللبنانية، في موازاة تأكيد استمرار عمل مجموعة الدول الخمس بالدفع نفسه.
عُدّ هذا السلوك الأميركي تعويما لمهمّة لودريان المُحدّثة، وربما تطويقا للحراك القطري والتقليل من اندفاعة الدوحة إثر تلمّس الضغط الذي تضعه على مسؤولين وقياديين لبنانيين من أجل السير في ركب خيارات تزكّيها.
وبات معروفا أن الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني الذي يحضّر لزيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد الخليفي في النصف الأول من تشرين الأول، استمزج من التقاهم أخيرا الرأي في كل من النائب نعمت افرام وقائد الجيش العماد جوزاف عون والمدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري. وكان حريصا على القول إن الدوحة لا تسعى إلى فرض اسم بل تراكم الآراء والمواقف، وهي في الوقت عينه تؤيد أي خيار رئاسي ينال القدر الأكبر من التوافق اللبناني.
يعني كل هذا أن بدء مسار الحل اللبناني لا يمكن أن يتم بمعزل عن العوامل الخارجية، والأكثر حضورا عاملان: الحوار بين واشنطن وطهران وهو على قدم وساق، والحلحلة السعودية- الإيرانية التي تبدو متعثّرة راهنا. إذ عادت الأحوال اليمنية إلى التأزم بعد انفراج نسبيّ نتيجة بدء حوار الرياض بين الحوثيين والقيادة السعودية. لكن هذا الحوار تقطّع من جديد، فكان أن رد الحوثيون بطائرات مسيرة قصفت قوات التحالف المرابطة عند الحدود الجنوبية للسعودية.
ويُخشى أن ينعكس هذا التصعيد انتكاسة في مسعى تطبيع العلاقة بين الرياض وطهران، وعندها سيكون للبنان منه نصيب.