بري لن يقول لعون ما لم يقله الحريري له!
«احتكاك كهربائي» كبير بين عين التينة والرابية
برغم الصيانة المستمرة التي تخضع لها العلاقة بين عين التينة والرابية، سواء مباشرة او بواسطة «حزب الله»، إلا ان «عطلا كهربائيا» طرأ مؤخرا على «محولات» هذه العلاقة، أدى الى تراجع قدرتها على الانتاج، وبالتالي زيادة ساعات «التقنين» في التغذية.
بعد استلام علي حسن خليل وزارة المال، لجأ الى «التشدد» في معايير الإنفاق المالي التي وجد انها لا تنطبق كلها على المشاريع الكهربائية العائدة الى وزارة الطاقة، لاسيما ما يتعلق منها بمعامل دير عمار والذوق والجية، ما اثار انزعاج «الفريق البرتقالي» المعني بهذا الملف.
تمسك خليل بـ«ثوابته» مستندا الى قرارات وقواعد ديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة، كما يؤكد المقربون منه، فيما راحت الاصوات ترتفع من قلب وزارة الطاقة و«التيار الوطني الحر» تتهمه بعرقلة تنفيذ المشاريع المقررة، وصولا الى انتقاد حاد وجهه اليه العماد ميشال عون علنا خلال مقابلة مع محطة «أو تي في»، بالتزامن مع حملة شنتها عليه إذاعة «صوت المدى» التابعة للتيار، فضلا عن التمهيد لها بسلسلة انتقادات من «الجنرال» الى كل من بري وخليل تولى نقلها الى عين التينة عدد من «الغيارى» على العلاقة في «التكتل»!
هذا الاحتكاك الجديد في الاسلاك الكهربائية، تسبب بفتور بين الجانبين، تحرص أوساط عين التينة على التأكيد انه «موضعي»، ولم يؤثر على جوهر العلاقة السياسية «الجيدة» بين بري وعون، استنادا الى تفاهمات تم تكريسها في اللقاء الأخير بينهما بمبادرة من نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي وبحضوره، وشملت ملفات اساسية، في طليعتها مسألة الاستحقاق الرئاسي.
وتشدد الاوساط على ان بري ما يزال عند الطرح الذي ابلغه الى عون خلال اللقاء الاخير بينهما في عين التينة، وفحواه المضي في دعم وصول «الجنرال» الى الرئاسة ما دام مرشحا، والاستعداد للموافقة على أي اسم يرشحه في حال قرر الانسحاب.
وقد حرص بري على إبلاغ كل من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط بوجهة نظره.
ويشير العارفون الى ان موقف رئيس المجلس يكاد يسبق موقف الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، في ما خص تأييد انتخاب عون. ويُروى انه عندما اطلع نصرالله على مضمون اللقاء السابق بين بري و«الجنرال»، ابتسم، وقال: «يبدو أن دولة الرئيس (بري) ذهب أبعد منا».
ينطلق المطلعون من هذه الواقعة للتأكيد على ان رئيس المجلس صادق وجاد في دعم عون للرئاسة، كخيار أول، وفي ربط الموافقة على أي بديل محتمل بتجاوب «الجنرال»، كخيار رديف.
وفي المعلومات، ان بري أعاد تظهير هذه القناعة، خلال لقاء الساعات الثلاث الذي جمعه مع الرئيس فؤاد السنيورة، يوم السبت الماضي، بحضور علي خليل ونادر الحريري (ممثلا الرئيس الحريري).
قال السنيورة لبري في مداخلة مطولة ان «14 آذار» قدمت مبادرة للخروج من المـأزق الرئاسي عبر استعدادها لسحب ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والمطلوب من الفريق الآخر بدوره ان يتقدم خطوة الى الامام، من خلال الضغط على العماد ميشال عون لإقناعه بالانسحاب ايضا، تمهيدا للتفاهم على مرشح توافقي. ونبه الى ان استمرار الشغور الرئاسي سيولّد فراغات وأزمات من شأنها ان ترتد سلبا على الوضع العام في البلاد.
أبدى بري تقديره من حيث المبدأ لمحاولة إيجاد كوة في جدار الأزمة، لكنه لفت انتباه ضيفه الى ان المبادرة ليست جديدة في عمقها، وان سمير جعجع نفسه سبق له ان طرحها قبل فترة.
وقال بري للسنيورة ما معناه: إذا كان قد سبق للرئيس سعد الحريري أن أكد انه شخصيا لن يبلغ العماد عون ردا سلبيا على طلب دعمه لبلوغ رئاسة الجمهورية، فهل تنتظرون مني أن أفعل ذلك، علما ان «الجنرال هو الاكثر تمثيلا على الساحة المسيحية؟» وذكر رئيس المجلس السنيورة بما قاله للحريري بأن شهورا من الغزل مع عون صارت محرجة له فكيف اذا كان المعيار سنوات بيننا وبينه!
وترى مصادر واسعة الاطلاع ان أفق الاستحقاق الرئاسي مسدود بالكامل حتى إشعار آخر، وان معظم الاطراف الداخلية وحتى الخارجية لا تبدو حتى الآن معنية بإحداث خرق حقيقي فيه، ولا تشغل بالها حاليا بكيفية انتخاب الرئيس، ما دامت أولويتها الحفاظ على «الستاتيكو» الحالي.
وتكشف المصادر عن معلومات تفيد بان التواصل بين الرياض وطهران لم يرق بعد الى حد انتاج تسويات تفيد في معالجة الشغور الرئاسي، بل هو ما يزال في مصاف «المناخ» الإيجابي، إنما القابل للتبدل لكن ليس بوتيرة سريعة، لان عوامل الاشتباك السعودي ـ الايراني في أكثر من ساحة لم تنتف بعد.
وتعتبر المصادر انه يجري التعاطي مع الحكومة الحالية على قاعدة انها حكومة الضرورة التي ربما تستطيع تمرير هذه المرحلة بأقل الاضرار الممكنة كونها تضم معظم القوى، إلا انه يجب الاعتراف انها لا تملك رؤية واضحة لاي من الملفات المعقدة وان كل وزير فيها يتصرف على أساس انه «ميني رئيس جمهورية».
وتلفت المصادر الانتباه الى ان الاطراف الداخلية تتصرف انطلاقا من قناعة لديها بان مرحلة الشغور ستطول، وان أقصى ما يمكن فعله في الوقت الحاضر هو تحسين شروط التعامل معها، وليس الخروج منها.
لكن المصادر نبهت الى انه لا يمكن التحكم بهذه المعادلة وضمان انتظامها في ظل أوضاع ملتهبة ومتحركة، محذرة من ان البقاء طويلا في دائرة المراوحة السياسية قد يهدد «الستاتيكو» الحالي بمزيد من الانكماش.