اثمرت الجهود التي بذلها مفتي الجمهورية لضبط إيقاع التحركات المطالبة باعتماد يوم الجمعة عطلة رسمية، إلى إبقاء تلك التحركات تحت السيطرة، والحؤول دون وصولها إلى الشارع حتى الآن!
ويمكن القول ان تلاقي موقف دار الفتوى مع مواقف المطالبين بعطلة يوم الجمعة، قد ساهم في تطويق موجات الغضب الفورية، وقطع الطريق على المزايدات الشعبوية، وحافظ على مستوى الخطاب الشعبي والديني في مناقشة هذه المسألة البالغة الحساسية والتعقيد.
غير ان اللافت في متابعة تطورات هذه القضية، ان مساعي العقلنة التي قادها المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، لم تقابل بالاهتمام اللازم من المرجعيات الرسمية، ومن الأطراف السياسية المعنية! بل العكس تماماً، إذ بقي التجاهل المتعمد لردة الفعل الإسلامية هو السمة الغالبة على المستويين الرسمي والسياسي.
المطالبة بعطلة يوم الجمعة، تتجاوز بابعادها المحلية، الاعتبارات الدينية أو الطائفية المحضة، إلى ما هو وطني بامتياز، ويدخل في صميم الشراكة بين المسلمين والمسيحيين، وقواعد المعادلات الدقيقة التي تقوم عليها الشراكة الوطنية، وفي مقدمتها المساواة بين المسلمين والمسيحيين، بعد التوافق التاريخي على اعتماد مبدأ المناصفة، ووقف العد والاحصاءات السكانية.
وهنا يتساءل المطالبون بعطلة يوم الجمعة: أين المساواة بين جناحي الوطن، عندما نُقر ونعترف بعطلة يوم الأحد لاخواننا المسيحيين، ولا يتم الاعتراف بحق المسلمين بعطلة الجمعة، ويتم تعطيل السبت بدل الجمعة، ويُفرض على الموظفين المسلمين المداومة في العمل قبل الظهر وبعده أيام الجمعة؟
عطلة يوم الجمعة مسألة تحتاج إلى معالجة رسمية وسياسية عاجلة تأخذ بعين الاعتبار الدوافع الوطنية، ومتطلبات المساواة بين أبناء الوطن الواحد وذلك قبل أن تفلت من أيدي العقلاء، وتتحول إلى مادة تحريضية في الشارع!