IMLebanon

الجُمُعة يوم عمل لا عطلة  

 

من المفارقات أن تشهد بعض الدول الإسلاميّة هذه الأيام جدلاً حول استبدال أيام العطلة فيها من يومي الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت، لأن هذه البلاد تعاني من خسائر اقتصادية وتعطّل مصالح الناس إذ تفرض على سبيل المثال تعطيل أي حوالة مصرفيّة لمدّة أيام أربعة، ما بين عطلة العالم يومي السبت والأحد فيما دولهم تعطل الخميس والجمعة!!

 

كنتُ قد اتخذت قراراً أن لا أكتب في هذا الصراخ والتباكي على حقّنا كمسلمين بعطلة يوم الجمعة مقابل يوم الأحد للمسيحيين ولولا الكتاب المفتوح الذي قرأته بالأمس للدكتور حسان حلاق الذي يخاطب فيه رئيس الحكومة سعد الحريري، والذي اعتبر فيه أنّ الجمعة يوم عطلة منذ العام الثامن عشر للهجرة ـ ولا أعرف إلى أي نص قرآني أو حديث نبوي استند ـ وأنّ الانتداب الفرنسي حرمنا منه، وهنا لا أريد أن أدخل في تفاصيل هذا الكتاب المفتوح المسيئة لأستاذ جامعي وللعيش المشترك في لبنان، لكن لأنّ الإدّعاءات باتت تزايد على الله ورسوله في المسلمين ويوم الجمعة، ولأنّ الجمعة اليوم العظيم عند المسلمين أصبح مدخلاً لمهزلة سياسية وطائفيّة يلبسونها لبوس الدّين، وهذا افتراء محض على الاسلام ، قرّرت الكتابة عن هذه المزايدات لأنّ يوم الجمعة بنصّ القرآن الكريم يوم عمل لا يوم عطلة.

في الأصل نصّ القرآن على كون المؤمنين يعملون قبل النداء لصلاة الجمعة وأنّه عليهم ترك العمل بعد نداء (أذان) الجمعة (الأذان الثاني) أي حين يقعد الخطيب على المنبر، يقول تعالى [سورة الجمعة: 9] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ والعودة إلى العمل بعد الصلاة لابتغاء الرزق أمرٌ إلهي وبنصّ القرآن الكريم، يقول تعالى [سورة الجمعة: 10] ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وقال تعالى في حقّ الذين يتركون صلاة الجمعة [الجمعة:11]: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [نزلت في المسلمين الذين تركوا رسول الله يخطب على منبره في صلاة الجمعة وانفضوا عنه لمشاهدة اللهو (الطبل والزمر) في استقبال عيرٍ أقبلت إلى المدينة لدِحية] فعلامَ هذا التباكي والتحريض والكذب على الله؟!

سمعتُ أحد المشايخ «الفَشَلة» يُطالب بعطلة كاملة يوم الجمعة كيوم الأحد، فلنسأل هذا المزايد: أليس كثير من صحابة رسول الله صلوات الله عليه كانوا يعملون يوم الجمعة حتى لا يكون في جمعة المسلمين تشبّهاً في عطلة السبت كاليهود أو الأحد كالمسيحيّين؟ ألم يقرأ هذا العبقري هذا الكلام عن الإمام مالك بن أنس، أين وجدتم في تاريخ المسلمين أو مذاهب أئمتهم أنّهم اتخذوا من الجمعة يوم عطلة كيوم السبت أو كيوم الأحد؟ هل يعلم هؤلاء أنّ أسواق مصر وهي أكبر دولة إسلاميّة تفتح كلّها يوم الجمعة (تُغلق وقت الصلاة) وتغلق أبوابها يوم الأحد؟ أليس قضاء حاجات الناس هو الأولى في الإسلام؟ ألا يرى كلّ هؤلاء أنّ أسواق ومتاجر المسلمين تعمل كلّها يوم الجمعة وتغلق أبوابها وقت الصلاة، أليس مكمن الفضل والأجر والطاعة لله هو ترك البيع أو العمل لأداء صلاة الجمعة، أليست خصوصيّة الجمعة هي في صلاة الجمعة، ثم الإكثار من الاستغفار وكثرة الصلاة على النبيّ صلوات الله عليه، أليس وقت غُسل الجمعة هو من صلاة فجر الجمعة إلى مغربها، وكلّ هذه متاح للمسلم اللبناني وهو متمكّن من القيام بها قبل خروجه من بيته إلى عمله، والتطيّب من عمله إلى المسجد؟.

لنضع نقطة على سطر هذه المزايدات، أين المشكلة في أنّ العطلة المقرّة تعطي المسلم ساعتين للصلاة؟ أو أين المعضلة في أن ينتهي العمل يوم الجمعة عند الحادية عشرة، وزيادة الوقت المقتطع على باقي أيام العمل بزيادة نصف ساعة على كلّ يوم؟ يا حضرات المزايدين على الله ورسوله، هل بلغكم أنّ أياً من الخلفاء الراشدين  أجبر الناس على التعطيل طيلة يوم الجمعة، إنّ المطالبة بعطلة يوم الجمعة كعطلة السبت أو الأحد «بدعة» وهو أمرٌ ـ منهيّ عنه ـ تتشبّهون فيه بالمللِ الأخرى ألم ينهكم رسولكم عن هذا التشبّه، وفوق هذا وذاك أليس «العمل عبادة» في الإسلام؟!

أيّها المزايدون، قولوا للمسلمين نحن نكذب عليكم، والأصل في يوم الجمعة ترك العمل والبيع والتجارة لأداء صلاة الجمعة وأنه إذا ما انقضت الصلاة فطلب الرزق أمرٌ محمود وحثّ عليه الإسلام، قولوا لهم نحن نزايد لأنّ الانتخابات على الأبواب، فليقل أصحاب العمائم أنّ البعض منهم من أصحاب المناصب يزايد خوفاً من المزايدين، وأنّ البعض يزايد طمعاً في المناصب من الإفتاء إلى القضاء وهلمّ جراً…