حلت النفايات بنداً طارئاً على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، بعدما اقتحمت طاولة الحوار في عين التينة، فحرفته عن ملفاته الرئاسية والوطنية وحولت المتحاورين الى أعضاء مجالس بلدية، وشركة شينوك المجهولة الحسب والنسب الحقيقيين الى محور يتقاتل حوله المعنيون من دون أن يسمحوا لأحد، بمعرفة مَن منهم مع ترحيل النفايات بواسطة هذه الشركة، ومَن منهم ضدها.
ويبدو أن شينوك دخلت حقل نفايات لبنان الغنية بموجب عقد من مافيا الى مافيات، فلا وزير البيئة يعلم ولا حتى وزير الزراعة، ولا لجنة البيئة، فيما سارع مجلس الوزراء الى صرف الخمسين مليون دولار أميركي قبل التثبت من صحة العقود والعهود، التي يقول أحد الوزراء الروس بأنها مزورة، فيما يجيب أحد المعنيين في لبنان بأنها صحيحة، وأمام هذا الضياع الرسمي قرر مجلس الوزراء إمهال الشركة التي تخلى وكيلها في لبنان زياد خازن عن وكالتها، حتى صباح السبت لتوضيح الحقيقة وليبنى على الأمر مقتضاه.
الجهل والانتهازية، وضياع هيبة الدولة، والدوران حول الدستور والقوانين وكل التزام مكتوب، كلف اللبنانيين مليارات الدولارات، في الكهرباء والنفط والصحة والدواء، وأخيراً، لا آخراً، النفايات، فيما لا الحكومة قدّ الحمل ولا مجلس النواب في وارد تضييع وقته، ولا النيابات العامة تتخذ المبادرة، وكأن كل مَن بيدهم الأمر تحولوا الى خشب مسندة.
الدستور والقانون ليسا أيقونات للزينة أو مجرد زخرفات للديكور، نضعهما أو نخلعهما متى شئنا وأردنا، بل هما حاجة وخيار يتحدد على أساسهما مصير كل بلد.
واحترام القوانين ليس وجهة نظر أو مزاجاً أو فروسية بل هو احترام للذات ودفاع احترازي ومبكر عن النفس، وعن الغير، بوجه الفساد والمافياويات المعشعشة في جنبات الوزارات والادارات والتي لم توفر حتى النفايات، المفلوشة في الشوارع والساحات وتحت أنوفهم، من دون أن تعكر مزاج أحد من وكلاء التفليسة السلطوية، على اختلاف مستوياتهم واختصاصاتهم، فالنفايات أصبحت من أكبر مصادر العدوان على الأمن الصحي للبنانيين، فأين أجهزة الرقابة المعنية بالدفاع عن الحق العام، وعن الصحة العامة المهددة بالسرطنة والخنزرة وبكل الأوبئة المعروفة أو التي لا زالت في ضمير الغيب؟ بل أين الأخلاق العامة الرادعة، لمثل هذا الغيّ الوطني العام؟
ومثل هذا السؤال يمكن طرحه على الرؤساء والوزراء، أو القائمين بأعمال الرؤساء والوزراء، من وكلاء ومرابعين وكل من بات المواطن اللبناني يرى فيه ما لا يشرح الصدر ويرفع الرأس؟
فالفساد يبدأ بالسياسة وينتهي بالأعمال، وما بات مسلماً به ان ما من مؤسسة أو مرفق اقتصادي أو سياحي أو حقل استثمار يمكن ان يخرج ترخيصه من الوزارة المختصة، أو الادارة المعنية بسلام، ودون المعلوم والادارات الحكومية مطواعة، وهي نسخة عن أولي الأمر وهؤلاء بذكاء إبن آوى، يشمّ رائحة الأرنب عن بُعد قبل أن يفترسه.
هؤلاء يرون ان الزمن صديق زائل، ولذلك يستغلونه بأقصى ما يستطيعون، ومنع غياب المشاريع وبالتالي العمولات، لم يجد علق المرحلة الحاضرة ما يمتصه سوى عصائر النفايات الممنوعة من التصريف.
واللافت ان تسونامي النفايات، تزامن مع الشغور الرئاسي المقيم، وكأن بين الحالين نوعاً من التقاطع غير الواضح المعالم. فراغ هنا يقابله تراكم هناك، وبينهما ادارة خاطئة، أو بالأحرى عديمة الارادة والجدوى، وجحور فارغة لن تملؤها حتى النفايات، ونافذون يشترطون حصصاً في سمك البحر، قبل اصطيادها، وفي المساحات البحرية المرشحة للردم، قبل ان يبدأ وصول الشاحنات، وتلك هي المسألة في النهاية!..