الصديق كما أفهمه هو من انفتح عليك لإحساسه بالقربى منك ولا سيما في الأمور العظيمة. من اقترب منك سطحياً، اجتماعياً لا يصل إلى هذه المنزلة. وتحس أن قلبك مفتوح له بحيث تسمح له أو تريده أن يدخل إلى أعماق نفسك ويقرأها ويناجيها. الصداقة تتم إذاً في عمق النفس وتأخذها إذ لا خوف فيها على نفسها. تنفتح وتعطي لأنها تكون تحررت من الامتلاك.
على مستوى عال من الإحساس وربما من الخلق أنت تأخذ من الصديق كما تعطيه. المودة غير موجودة من جهة واحدة. إذ ذاك تكون عطفاً أو حباً بلا تبادل وهذا أمر ممكن لكن الصداقة تبدأ بشعور الحاجة إلى الآخر للأخذ منه وطبيعياً يرافقها العطاء. وهذا يعني أن ثمة في نفسهما تلاقياً وجدانياً يصل أحياناً كثيرة إلى حد التساوي وان لم يكن هذا منفعة أو إرشاداً أو تعاضداً حزبياً وما إليه.
الصداقة تبدأ بعطش لأن الآخر “أساسي حتى التنفس”. وما لم تسع إلى تنفس من خارج نفسك فأنت تجف حتى الممات. المحبة إذًا أصل بشري فينا قبل ان تتجمل وتسمو بنزول الله علينا. الذين يحبون الله كثيراً هم الأصدقاء الحقيقيون لأنهم لا يريدون ان يبيدوك أو يتسلطوا عليك. أما الذين عندهم سلطان يفرضون ما يظنونه عاطفة فهؤلاء ليسوا بأصدقاء.
تبدأ الصداقة بملاحظة الانسجام بين نفسين ولكنها لا تبقى إلاّ عند القادرين على المحبة الحق المعطاء. لأنها ليست مأخوذة لنفسها ولكنها مأخوذة إلى الآخر بسبب مما يفوق الآخر أي بسبب الرب وإلاّ كانت تحكماً. أنت في الصداقة قربان أي معطى للآخر وعند الكبار أنت معطى لأنك تذهب منه إلـى الله أو إلى الحق أي دائماً في العطف ولكنك غاية بحد نفسك أي أن الصديق لا يجعلك لأجل نفسه ليستمتع بقلبك وبفهمك وقرباك ولكنه لك بسبب من قربه إلى الحق. وحيث لا حق لا صداقة. هناك استمتاع وقد يكون هذا بالمعنى الراقي ولكنه استمتاع.
أظن ان الصداقة جوع لأن الآخر أساسي في وجودك. تكتشف هذا مرة ولا تعرف السبب. إن كنت روحانياً تفهم ان العلاقة بدأت برؤية الحياة الروحية عند الآخر أو بقدرته على الوصول إليها. هذه هي العلاقة الأقوى التي لا تزول بزوال المنافع أو تغير الأمزجة إذ الصداقة العظيمة الله في أصلها ويبقى في نموها. ما خلا الله كل قربى استمتاع.
تبدأ الصداقة بالقربى تحسها. عند المؤمنين هي وحدة الإيمان إذا عظم وسعى الإنسان فيه إلى شريك وأعني بذلك قربى القيم أو وحدتها. ما عدا ذلك منافع في الأرض وتحالف في مصالحها ولا علاقة لهذا بالقلوب.
لذلك ليس من صداقة الا بين الطاهرين في نسبة من الطهارة كبيرة. والذين تقاربوا بسبب من منافع في الأرض يتباعدون إذا انتهت منافعهم.
إذا جاءت الصداقة من تقارب العواطف فقط تزول بزوال العاطفة. أما إذا أتت من القيم التي نبني عليها حياتنا فتبقى نابعة من القيم ولو تقلبت ظروف حياتنا. بلا قيم تتصدع الصداقة إذ تتعرض لصدمات كثيرة. لذلك كان الذين حاولوا تعليمي الحق يقولون لا صداقة بلا إله يحييها فيك ويغذيها. على هذا أقول إن ليس من صداقة الا إذا أتت من قيم نعرف نحن المؤمنين انها آتية من الله فصديقك قد يخطئ إليك. كيف تحفظه ان لم تسامح؟ أنت لا تحاسبه على خطأ تملكه هو في كثرة من الأحوال. قد تنخفض الصداقة عند قليلي الإيمان إذا اصطدمت بالمنافع المتناقضة. إذ ذاك تعرف انها لم تكن من الله. إذا لم تبق مشاهداً نور الله على وجه صديقك تخسره. في الأخير الأخير أنت في الصديق تحب الله. فتحس ان صديقك هو وجهه فهم أم لم يفهم.