Site icon IMLebanon

من 1.250.000 متر مربّع إلى 330 ألف متر مربّع: المجلس البلدي يواصل سياسة قضم حرج بيروت

يواصل المجلس البلدي في بيروت سياسة قضم حرج بيروت وتقليص المساحة الخضراء الوحيدة المتبقية في المجال المديني المكتظ. تدحض المهندسة المعماريّة والناشطة في جمعيّة «نحن»، سينتيا بوعون، في هذا التقرير، ادعاءات المجلس حول «اعتماد سياسة زيادة المساحات الخضراء وإعطاء اهتمام خاص لحرش بيروت»، وتعرض 3 قرارات صدرت بينى عامي 2014 و2016 تساهم بالقضاء على طبيعة الحرج واستعمالاته الأصلية، وتطرح تساؤلات حول أدوار الجهات المعنية ومسؤولياتهم

إثرالتظاهرة تحت عنوان «معاً لحماية حرش بيروت» التي دعا إليها جيران حرش بيروت والجمعيّات المدنيّة التي انضمّت إليهم، وبعد ما تعرّض له المتظاهرون من اعتداء من قبل بعض المواطنين أمام القوى الأمنيّة التي لم تتدخّل، ما أجبرهم على التظاهر في موقع مختلف عن نقطة الاعتصام المقرّرة، أصدرت بلديّة بيروت بياناً تؤكّد فيه «اعتماد سياسة زيادة المساحات الخضراء وإعطاء اهتمام خاص لحرش بيروت كونه المتنفس الوحيد لأهالي العاصمة» وأنّ «شعارات (المتظاهرين) الرنّانة لا تمتّ إلى الواقع بصلة».

إلا أنّ المجلس البلدي، خلافاً لما يعلنه، اتّخذ 3 قرارات تؤدّي عملياً إلى قضم ما تبقّى من حرش بيروت، أي إلى تدمير كلّي للرئة الخضراء. وللتذكير، تمتدّ مساحة حرش بيروت على كامل العقار 1925 من منطقة المزرعة العقاريّة، أي إلى خارج نطاق المنتزه الذي اقتصرت مساحته اليوم على 330 ألف متر مربّع، بعد أن كان الصنوبر يغطّي مليون ومئتي وخمسين ألف متر مربّع من بيروت، وكلّ المنشآت المبنيّة في هذا العقار والتي أدّت إلى تقطيع أطراف الحرش هي مخالفة للقانون، لأنّ حرش بيروت ملك عام ويقع ضمن المنطقة الارتفاقيّة التاسعة حيث يمنع البناء نهائيّاً.

3 قرارات جائرة ومخالفة للقانون

1- القرار 327 الصادر بتاريخ 5-5-2015، والذي أكّده المجلس البلدي الحالي، يقضي «بتغيير تصنيف جزء من حرش بيروت» من المنطقة التاسعة إلى المنطقة الرابعة حيث يسمح البناء بمعدّل استثمار سطحي 50% ومعدّل استثمار عام 3.5 على مساحة قدرها 3630 متراً مربّعاً، وذلك بحجّة تسوية أوضاع بناء مخالف يعود لكشّاف الرّسالة الإسلاميّة، وهذه سابقة على صعيد التخطيط في المدينة! فبدل معاقبة الاعتداء على الأملاك العامّة، يكافئ المجلس البلدي المخالف بوهبه معدّل إستثمار عالياً يشرّع له بناء ناطحة سحاب إذا رغب بذلك، وعلى ملكٍ ليس له! وبدل إتّباع البناء لمخطط توجيهي وأسس تنظيميّة معدّة سابقاً، أصبح التخطيط يخضع للأمر الواقع دون رؤية استراتيجيّة عامّة لتتطوّر المدينة!

2- القرار 170 الصادر بتاريخ 23-3-2016، الذي أقِرَّ بالرغم من اعتراض بعض أعضاء المجلس البلدي، سمَح ببناء مستشفى ميداني على جزء من العقار 1925، أي على حرش بيروت لجهة طريق الجديدة بحجّة أنّه بناء مؤقّت وحاجة للمنطقة. وهذا القرار مخالف أيضاً للنظام الارتفاقي: ففي المنطقة التاسعة، يمنع البناء منعاً باتّاً، ولا يُسمح وضع أيّ إنشاءات، أكانت مؤقّتة أو دائمة، ذلك عدا عن أنّ التّجارب السابقة أثبتت أنّ في لبنان لا شيء مؤقّتاً. فكيف بلديّة بيروت، التي من واجباتها صون الملك العام والحرص على احترام قوانين الارتفاق والبناء، تتّخذ قرارات مخالفة أساساً للقانون لتصبح هي المعتدية؟ نفهم حاجة الناس إلى مستشفى ميداني، ولكن إن كانت البلديّة فعلاً حريصة على الصحّة العامّة، لا تحرم سكّان المنطقة من متنفّسهم الوحيد في مدينة مكتظّة بالباطون العشوائي، خاصّة أنّ منظّمة الصحّة العالميّة توصي بمساحة خضراء عامّة لا تقلّ عن 12 متراً مربعّاً للفرد الواحد بينما في بيروت، لا تتعدّى هذه المساحة 0.8 متر مربّع. إذاً إضافة إلى التلوّث المتزايد الناتج عن أزمة السير والنفايات والتخطيط العشوائي، ها أنّ البلديّة تضيّق علينا آخر رئة خضراء متوافرة لدينا، وجوار الحرش هم أوّل المتضرّرين. نعم للمستشفى ولكن ليس على حساب حرش بيروت خاصّة وأنّ إمكانيّة بنائه على عقار آخر من نفس المنطقة متوافرة، كما أنّ إعادة تشغيل مستشفى البربير، كما يطالب جيران الحرش وسكان طريق الجديدة هو أيضاً الحل الأنسب. ونذكّر أهالي بيروت أيضاً أنّ الهبة المصريّة تنحصر بتقديم الأدوية والأطبّاء فقط، أي أنّ كلفة بناء المستشفى والبالغة 1.2 مليون دولار ستدفعها بلديّة بيروت!

3- قرار نقل الملعب البلدي من طريق الجديدة إلى حرش بيروت، الذي حصل على موافقة مجلس الوزراء. وفيما أكّد رئيس البلديّة جمال عيتاني أنّ المشروع يقتصر على «تطوير الملاعب الموجودة حالياً دون إضافة إنشاءات جديدة، يأتي قرار مجلس الوزراء رقم 62 بتاريخ 18-12-2014 ليثبت عكس ذلك، فهو يقضي «ببناء ملعب بلدي جديد في منطقة قصقص بالمواصفات الدوليّة مع إمكانيّة الدخول إليه عن طريق شارع عمر بيهم، وتجهيزه بموقف للسيارات بحيث يكون صالحاً لممارسة لعبة كرة القدم، وتتوفّر فيه كل أسباب الأمان والشروط اللوجيستيّة». من هنا، الادّعاء بأن المشروع المطروح لن يدمّر الحرش بحجّة أنّه سيقام في طرف غير مشجّر منه حديث غير واقعي بتاتاً. فبناء ملعب حسب المعايير الدوليّة يحتّم استبدال مساحات حرجيّة كبيرة بمساحات إسمنتيّة ضروريّة تقنيّاً لتشييد الملعب والمدرّجات ومرافق خدمة الجمهور واللاعبين فضلاً عن مساحات واسعة لمواقف السيّارات اللازمة لاستيعاب روّاد النادي، وذلك سيؤدّي إلى تجزئة الحرج إلى أقسام وبالتالي لن يكون الغطاء النباتي متكاملاً مما يعني تدمير الحرج وأهميته البيئية والايكولوجية، ويتناقض مع الرؤية المدنية التي كرّستها المخططات التوجيهية كافّة بكونه رئة خضراء ومنتزهاً ذا أهمية إقليمية للعاصمة ومحيطها.

أين وزارة البيئة؟

ومن ينقذ حرش بيروت؟

أمام كلّ هذه التجاوزات، يفاجئنا صمت وزارة البيئة التي لم تتحرّك بعد. ويفاجئنا أكثر قرار صادر عن وزير البيئة في 27-10-2016 يعفي مشروع نقل الملعب البلدي من دراسة تقييم الأثر البيئي في منطقة حرجيّة ومصنّفة ضمن لائحة الجرد العام للأبنية الأثريّة والمناظر الطبيعيّة العامّة (1940) ومصنّفة أيضاً منتزه إقليمي لبيروت الكبرى وضواحيها في دراسة المخطط التوجيهي الشامل لترتيب الأراضي اللبنانية الذي صدّقه مجلس الوزراء عام 2009.

اتخذت بلدية بيروت قرارات مخالفة أساساً للقانون لتصبح هي المعتدية

نسأل وزارة البيئة لماذا لم تطبّق قانون البيئة (مرسوم 8633/2012) الذي يفرض تقديم الأثر البيئي لأي مشروع في نطاق الأحراش والمناطق الطبيعية المصنّفة، وقانون حماية الأحراش (558/96) الذي يُخضِع حرش بيروت والمشاعات البلديّة والعامّة كافّة لمعايير صارمة فيحميها من البناء؟

نسأل مجلس بلديّة بيروت لماذا لم يحترم توجيهات الخطّة الشاملة التي تحمي حرش بيروت من البناء خاصّة أنّ هذا المخطّط يشكّل الإطار القانوني الأساسي لعمل المؤسّسات الرسميّة، فالمادّة الثانية من مرسوم تصديقه (2366/2009) « تُلزم الوزارات والإدارات والمؤسّسات العامّة والمصالح المستقلّة والبلديّات والاتّحادات البلديّة باعتماد التوجيهات التي تتوافق مع هذه الخطّة في كل شأن من عملها له علاقة باستعمالات وتنظيم الأراضي».

نسأل المجلس البلدي من يحمي الحيّز العام إن تغاضيتم وسمحتم بالاستثناء وشرّعتم التعدّيات؟ لماذا لا تكملوا تشجير حرش الصنوبر بدل البناء عليه؟ وأين سيلتقي أبناء هذه المدينة إن استمرّ نهج تقليص المساحات العامّة من الحرش إلى الشاطئ إلى الساحات والحدائق؟

نسأل محافظ مدينة بيروت لماذا لا يوقف الأعمال ويحمي حرش بيروت من هذه القرارات الجائرة والمخالفة للقانون؟ إذ يحقّ له رفض أي قرار يتعارض مع القوانين والحق العام، وأعمال بناء المستشفى التي تجرى اليوم مخالفة للنظام الارتفاقي ولكلّ القوانين التي تحمي حرش بيروت. كيف سمح بهذه التجاوزات، هو الذي ساهم في إعادة فتح الحرش للجميع، والذي وعد اللبنانيين في جلسة نقاش عام حول حرش بيروت في أيلول الماضي أنّه «سيكون كفيلاً لحمايته من أي عبث» وأنّه «سيبذل جهده لعدم نقل الملعب البلدي إليه لأنّ لا حاجة إلى تغيير موقعه». وهو الذي أكّد للحضور آنذاك عن قناعته بأنّ «إقامة بعض المنشآت على أطراف من حرش بيروت من ملاعب ومواقف سيّارات هي تشويه للحيّز العام» و»أنّه يعمل على إيجاد بديل لموقع المستشفى الميداني» فهو «ضد تغيير الوجهة الأساسيّة للحرش المُعَدّ لاستعمالها بأي شكل من الأشكال وهو المساحة العامّة المتبقّية لنا».

نسأل وزير الداخليّة وقوى الأمن لماذا لم يستطع المتظاهرون الاحتجاج على هذه القرارت سلميّاً في نقطة الاعتصام المقرّرة رغم حصولهم على تصريح علم وخبر، علماً أنّ الدستور يكفل حقّ الجميع بالتظاهر وإن اختلف الرأي. وهل يُحاسب المعتدون؟

وأخيراً نطالب كلّ المسؤولين باتّخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حرش بيروت من كل تعدٍّ، لما له من أهمّيّة بيئيّة واجتماعيّة، وعلى رأسهم مجلس الوزراء ورئيس الجمهوريّة ليقرّوا مرسوماً خاصّاً بالحرش يمنع الأعمال كافّة في نطاقه ويكرّسه متنزّهاً عاماً مفتوحاً للجميع، ويكون المرسوم نهائياً، غير قابل للمراجعة أو التعديل من قبل أي سلطةٍ كانت، وبذلك يؤمّن حماية الحرج على المدى البعيد وبقائه رئة المدينة الخضراء مهما تمدد العمران أو تبدّلت السلطات المحلّية أو الدوليّة.

فهذا المرفق العام ضرورة حيويّة، إذ يساهم في تقليص المسافة بين الطبقات الاجتماعيّة والمجموعات الدينية والإتنية التي ستخرج من تقوقعها للتلاقي في هذا الفضاء العام كمجموعة مواطنين متساوين؛ والتفاعل في ما بينهم في حرش بيروت يساهم في التحام المدينة المقسّمة حالياً حسب هويّات طائفيّة فتبدو وكأنّها مجموعة أحياء أو «مُدُن» مختلفة متجاورة في قلب مدينة واحدة دون التخاطب أو التداخل. إنّ حماية حرش بيروت اليوم ضرورة اجتماعيّة وبيئيّة، فأبعدوا مشاريعكم عنه!