في 2 آذار الجلسة 36 لانتخاب رئيس الجمهورية، وفي 23 آذار تكون انقضت سنتان على استحقاق بدأ يومذاك مع المهلة الدستورية، من دون التمكن حتى الآن من اجرائه. لا المرشح مقبول، ولا الناخب يريد تارة او هو قادر طورا
عندما يغيب المرشحان الوحيدان عن جلسة انتخاب الرئيس، فذلك يعني انهما يتصرّفان كأنهما غير معنيين بها في الوقت الحاضر على الاقل. لا يذهب الرئيس ميشال عون الى الجلسة الا مرشح اجماع، وكذلك انتخابه. ولا يذهب النائب سليمان فرنجيه الى جلسة يغيب عنها مَن تحفظ عن ترشيحه وهو حزب الله، مع ان تيار المستقبل كان السبّاق الى هذا الترشيح.
لم يعد في وسع احد التأكد من مكمن المأزق الذي يطيل أمد الشغور، وبات لكل فريق توجيه اصابع الاتهام الى الآخر بالتسبب بتعطيل الاستحقاق. يوماً بعد آخر تتسع هوة فقدان الثقة وانهيار التحالف، وقد تكون ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري الاحد المقبل دليلاً اضافياً، اذ دُعي نائب زغرتا كي يحلّ ضيف شرف على تيار المستقبل صاحب الدعوة. وقد تحل الذكرى التقليدية التالية في 14 آذار ــــ وهذه المرة هذا الفريق هو صاحب الدعوة ــــ مؤشراً ربما اكيداً الى انهيار تحالف لم يُعطَ ان يعيش اكثر من عقد من الزمن.
لن يكون سهلا على حزب القوات اللبنانية المشاركة في احتفال 14 شباط، وان كان المقصود بها حصراً ذكرى اغتيال الرئيس الراحل. لن يكون سهلا ايضاً على الحريري الابن الاطلالة في حضور فرنجيه ــــ اذا حضر ــــ من دون ان يعلن ترشيحه رسمياً باسم تيار المستقبل. الا ان اعلاناً كهذا يفضي حكماً الى فسخ الزواج مع القوات اللبنانية، وكان الحريري قال يوماً ان الموت وحده يفرّق بينه وبين رئيس الحزب الحليف سمير جعجع.
مقايضة نصرالله: انتخاب عون في مقابل التخلي عن السلة
سببان بسيطان يصح ان يكونا كفيلين ومبررين لخاتمة محزنة كهذه: عندما تخلى الحريري عن ترشيح جعجع للرئاسة بالطريقة نفسها التي ترشح فيها جعجع للاستحقاق بلا تنسيق مسبق معه، وعندما تتفادى القوات اللبنانية حضور احتفال يسمّي فيه الحريري خصمها نائب زغرتا مرشحاً للرئاسة كي تمتنع عن الانضمام الى عاصفة التصفيق التي ستستقبل هذا الاعلان. لكن ما هو ادهى ان يحل فرنجيه ضيف شرف على ذكرى 14 شباط من دون ان يتلقّف الحريري حضوره باعلان ترشيحه، وإن متأخراً منذ اجتماع باريس في 17 تشرين الثاني. كذلك لا يبدو سهلاً على فرنجيه الذهاب الى هذا الحد في الاقتراب من تيار المستقبل، وهو يراكم خصومة مع عون تتنامى يوماً بعد آخر، ويستوعب على مضض اصرار حزب الله على التمسك برئيس تكتل التغيير والاصلاح مرشحاً وحيداً لانتخاب الرئيس.
هكذا دخل الافرقاء الثلاثة هؤلاء في دوامة مناورة يسهل فيها استفزاز احدهم للآخر، ويصعب خروجه منها بلا خسائر شخصية وسياسية مباشرة. بل الواقع ان الاستحقاق الرئاسي بات يدور في فلكهم اكثر من سواهم:
1 ــــ ليس في امكان النائب وليد جنبلاط بعد اليوم الافادة من ترشيح النائب هنري حلو، وكان توخى منه الفصل بين مرشحين احدهما من قوى 8 آذار هو عون والآخر من قوى 14 آذار هو جعجع قبل تخليه عن ترشحه. ادى هذا الفصل وظيفته طوال سنة ونصف سنة، ثم فقد جدواه عندما اقتصر الترشح على قوى 8 آذار، وعلى عون وفرنجيه، وبات على جنبلاط الانتظار ومن ثمّ مراقبة الطريقة التي يدير بها حزب الله الاشتباك الناشب بين حليفيه المرشحين، من دون ان يتمكن من ايصال اي منهما الى قصر بعبدا.
2 ــــ للمرة الاولى في تاريخه، يختار حزب الكتائب موقف الحياد السلبي في استحقاق رئاسي بعدما درج، منذ دخل الى مجلس النواب عام 1951، على مقاربة انتخابات الرئاسة على انها استحقاقه هو بالذات: اما يكون مرشحاً (1964 و1970 و1982 و1989) او يكون له مرشح (1970 و1976). لم يؤخذ عليه مرة مقاطعة جلسة او الاقتراع بورقة بيضاء، وسلّم على مضض بمرشح كجد فرنجيه، الرئيس سليمان فرنجيه، بسبب تعذر توافق الزعماء الموارنة الثلاثة على احدهم.
وسواء كان اعلان رئيس الحزب النائب سامي الجميل التصويت بورقة بيضاء مبرَّراً لتحفظه عن المرشحين المعلنين، الا ان جده الشيخ بيار الجميل ساءه عام 1964 تسمية الرئيس شارل حلو، فترشح ضده ثم انسحب ثم اقترع له. كذلك فعل في انتخابات 1970 عندما ترشح في الدورة الاولى ثم فاضَلَ في الدورة الثانية بين فرنجيه الجد ومنافسه الرئيس الياس سركيس. يكمن خيار الجميل الحفيد في الاقتراع بورقة بيضاء ــــ بينما والده الرئيس امين الجميل يتفرج على تدحرج رؤوس الزعماء الموارنة في سباق الاستحقاق ــــ في عدم توقعه تلقي اجوبة عن اسئلة وجهها الى فرنجيه الحفيد تمثل هواجس حزب الكتائب. وهي في الواقع اسئلة موجهة الى مَن لا يجيب عنها، حزب الله.
3 ـ يعتقد حزب الله ورئيس تكتل التغيير والاصلاح ان الفريق الآخر، وتحديداً تيار المستقبل، الذي تقدّم خطوات أساسية الى الامام كان من المتعذر تصديقها قبل سنة بموافقته على مرشح من قوى 8 آذار وتالياً على فرنجيه، يسعه التقدّم بخطوات اكثر الى الامام ودعم ترشيح عون. بذلك يستمهل الحليفان ويبطئان الحركة ويتصرّفان على انهما غير مستعجلين على اجراء الاستحقاق، وهما يوصدان تماماً ابواب الخوض في خيار بديل من عون بمَن فيه فرنجيه. وهو مغزى المقايضة الضمنية التي اقترحها الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة في 29 كانون الثاني، عندما فصل بين انتخاب الرئيس ــــ شرط ان يكون عون ــــ وسلة التفاهمات التي كان اشترطها في الاشهر المنصرمة توطئة لانتخاب رئيس الجمهورية، بحيث يسهل مع عون رئيساً الوصول الى التفاهمات تلك لاحقاً بضمانات موثوق بها، بما فيها عودة الحريري الى السرايا.