IMLebanon

من مسجد المغير إلى كنيس القدس.. التقاط لمنحى في نزاع طويل

 

تأتي عملية «الجبهة الشعبية» ضد كنيس ويشيفا (معهد ديني يهودي) في القدس، بعد أيام قليلة على اعتداء متدينين يمينيين متطرّفين يهود على مسجد قرية المغير شمال شرقي رام الله، وهو اعتداء لم يكن الأوّل في هذا المجال. ومع أن الفصيل الفلسطيني الذي تبنّى عملية الكنيس علمانيّ، إلا أنّنا أمام منحى معيّن لـ»تديين» النزاع الإسرائيلي – الفلسطينيّ بالاتساق مع اتخاذ هذا النزاع طابعاً أهليّاً لا يتنافى مع الفاصل الكولونياليّ بين المجتمع الإسرائيلي ذي السمة العامة الاستعمارية وبين المجتمع الفلسطيني الذي لم تؤدّ الوقائع الاستعمارية والاستيطانية إلى تحلّله، مثلما أن كفاحه التحرّري الوطني يسلك دروباً أكثر تعقيداً من أي تحرّر وطنيّ آخر. 

الاسترسال في جدل في طرفيه كمّ كبير من الادعاء وتطويع المفاهيم والوقائع مضيعة للوقت. أي: عندما يكون أحد أطراف هذا الجدل مصرّاً على اعتماد قسمة «عسكريين ومدنيين» وتلبيسها كما هي للمجتمع الإسرائيلي، كما لو أنّ المناطق التي يحتلها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وتلك التي يفرض عليها وضعية «المعازل» هي مناطق تفصلها البحار عن الحاضرة الصهيونية نفسها. أي أيضاً: عندما يكون الطرف الثاني في هذا الجدل مصرّاً على إطلاق الحكم بأنه «ليس ثمة مدنيين في إسرائيل». فهذا أيضاً موقف غير سليم، لأنّ الجيش إن كان يشكّل عموداً فقرياً للكيان القومي الصهيونيّ إلا أنّ الكيان نفسه ليس مجتمعاً إسبارطياً عسكرياً من ألفه إلى يائه إلا في صورة إيديولوجية من صوره. 

بدلاً من هذا الجدل المستعاد غداة العمليات التي تطرح إشكالية قيميّة ما، مثل عملية «الجبهة» ضد الكنيس، حري بنا النظر إلى القسمة الثلاثية بين الإسرائيليين على هذا الصعيد، وهي قسمة تذكّر بها وقائع المواجهة الأهلية – العنفية الأخيرة، من بلدة المغير إلى القدس. 

فالمتديّنون في إسرائيل، وبالأخص في القدس ومستوطنات الضفة، هم الأكثر عدوانية ضد الفلسطينيين، لكنهم كذلك الأمر الأكثر تحلّلاً من المشاركة في الدفاع العسكري عن الكيان القومي الصهيونيّ، مفضّلين تطوير تجاربهم الخاصة في العنف الموازي، المتواطئ حيناً مع إرهاب الدولة الإسرائيلية نفسها، والمتناقض معها حيناً آخر.

أما المدنيون في إسرائيل، وبشكل أساسي المدنيون غير المتدينين بشكل محموم، فإنّ العقدين الأخيرين يوضحان انزياح كتلتهما الأكبر نحو الخيارات اليمينية والمعادية وجودياً للكيانية الفلسطينية. في الوقت نفسه، الكتلة المدنية العلمانية مناوئة بشكل عام للمستوطنين ومجتمعهم في الضفة، ولبيئة المتدينين، وللأنماط العنفية التي يفرزها المتطرفون اليمينيون المتدينون. 

بهذا المعنى، من الأفضل النظر إلى الأمور بثلاثية «عسكر ومتديّنون ومدنيّون» في إسرائيل والتداخل بين هذه الكتل. أما ما هو صعب للغاية اليوم فهو تمييز كتل فلسطينية عن بعضها البعض وفقاً لمناهج صراعية مختلفة. تأتي العملية الأخيرة في هذا السياق بالتحديد، سياق محكوم بـ»ندرة الخيارات» في الأساس، مثلما هو محكوم بنزاع أهلي مزمن لا يمكن النظر إليه بملقط «جمالي – أخلاقوي» على الدوام.