يفتتح في بيروت غدا معرض لسيارات صُنعت في ايران، في اطار النشاطات التي تقوم بها طهران بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع لبنان. لكن السؤال لماذا تواجه هذه المهمة الكثير من العقبات، وهل يمكن ان تشهد الحقبة المقبلة نقلة نوعية في هذا الاتجاه؟
لم تصل العلاقات اللبنانية الايرانية على المستوى الاقتصادي يوماً الى مستويات العلاقة السياسية التي تربط البلدين، رغم كل المحاولات التي جرت حتى الان من قبل مسؤولين في الاتجاهين.
واذا كانت العقوبات الاقتصادية الغربية على ايران هي التي حالت في السابق دون تطوير العلاقات مع لبنان، فان السؤال اليوم، ما الذي يحول دون ذلك، ما دامت العقوبات قد رُفعت منذ حوالي عشرة أشهر؟
بعد توقيع الاتفاق النووي في تموز 2015، والذي ينصّ فيما ينصّ على رفع العقوبات على ايران، قام وزير المالية اللبناني علي حسن خليل بزيارة الى طهران على رأس وفد لبناني في كانون الاول 2015، لدراسة امكانات تعزيز التعاون الاقتصادي والمالي بعد رفع العقوبات.
وبعد مرور ثمانية اشهر جاء دور وزير الصناعة اللبناني حسين الحاج حسن الذي زار طهران اواخر آب الماضي، على رأس وفد اقتصادي لبناني كبير ضم حوالي 70 شخصية. وعلى رغم ان الوقت لا يزال مبكرا للحكم على النتائج العملية للزيارة، الا أن المعطيات لا تدعو الى التفاؤل كثيرا رغم ان السوق الايرانية واسعة، وقدرات الاقتصاد الايراني لا يستهان بها.
ومن المعروف ان اقتصاد إيران هو ثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط والتاسع والعشرون في العالم بحجم يقارب الـ350 مليار دولار. وقد تعزّز وضع الاقتصاد بعد رفع العقوبات بما سمح بتعزيز الصادرات النفطية والغازية.
وللتذكير، فان ايران تمتلك حوالي 34 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي (المرتبة الثانية عالمياً)، وتُقدّر ثروتها النفطية بـ154 مليار برميل، أي ما يوازي 9% من الإحتياطي العالمي من النفط.
رغم هذه المعطيات، تبدو فرص تعزيز العلاقات بين لبنان وايران ضئيلة للأسباب والمعطيات التالية:
اولا- لا تزال مسألة الصراع بين ايران ودول الخليج العربي قائمة، بل انها تزداد حدة، وهي بالتالي لا تزال تشكل عائقا امام القطاع الخاص اللبناني في التمادي في نسج علاقات تجارية مع طهران، دون تعريض مصالحه في الخليج للخطر.
ثانيا – لا تزال التسهيلات المصرفية وسهولة التحويلات غير موجودة. ورغم تركيز وزير الصناعة اللبناني خلال زيارته طهران على هذه النقطة، والايحاءات التي عبّر عنها بالنسبة الى تلقيه تأكيدات من حاكم مصرف لبنان ان لا شيء يحول دون التحويلات المالية بين البلدين، رغم ذلك، المشكلة موجودة، وهي ليست على مستوى لبنان فحسب بل تشمل كل الدول الغربية التي رفعت الحظر عن التعامل المالي مع طهران، لكن مشكلة سلاسة التحويلات قائمة.
ثالثا – ان لبنان في موقف الضعيف في موضوع التحويلات المصرفية، بسبب وجود حزب الله المصنّف ارهابيا من قبل الولايات المتحدة. والمشاكل التي يواجهها القطاع جراء هذا الواقع ظاهرة من خلال العلاقات مع المصارف المراسلة. وبالتالي، لا يحتاج هذا القطاع الى مشاكل اضافية من خلال الانفتاح على التحويلات من والى ايران.
رابعا- صحيح ان المجتمع الدولي رفع العقوبات على ايران، لكنه أبقاها على الحرس الثوري الايراني. ومن المعروف ان الحرس الثوري يسيطر عمليا على قسم كبير من مفاصل الاقتصاد الايراني، بما فيه شركات القطاع الخاص، بالاضافة الى قطاع النفط. وهذا ما يفسّر تردّد الشركات العالمية نفسها في القيام بخطوات متقدمة في السوق الايرانية، رغم المغريات المتوفرة في هذه السوق.
اذ تخشى المصارف الغربية تعرضها لعقوبات بسبب صعوبة الفصل بين الدولة الايرانية التي بات مسموحا التعامل معها وبين الحرس الثوري المحظور والذي يتداخل نفوذه في مفاصل الدولة.
هذه المعطيات هي التي أدّت عمليا الى ابتعاد القطاع المصرفي اللبناني عن المشاركة بفعالية في زيارات الوفود اللبنانية الى ايران، وهي نفسها ستحول دون تفعيل التعاون بين المصرفين المركزيين اللبناني والايراني، رغم تشديد وزير الصناعة اللبناني على هذا الأمر، وتوجيهه دعوة الى حاكم مصرف ايران لزيارة لبنان للتفاهم مع رياض سلامة على سبل التعاون.
في النتيجة، بين زيارتي حسين وعلي، لا تزال الامور متعثرة، والعلاقات الاقتصادية اللبنانية الايرانية، تنتظر ما هو اكثر من مجرد رفع عقوبات، وعلى طهران التحلّي بمزيد من الصبر.