IMLebanon

من أزقة المحاور.. إلى رحاب الحوار!

شكّلت عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت للمشاركة بالذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري دفعاً إيجابياً لتحريك المشهد السياسي الداخلي، بعد فترة من الركود، قابله تصادم في مجلس الوزراء أعاد طرح آلية عمله في الظروف الراهنة، وجدواها والسبيل لإخراجها من دوّامة التعطيل، خاصة أنه المؤسسة التنفيذية الوحيدة العاملة مع تغييب رئيس الجمهورية وغياب النواب عن قبة البرلمان.

والملفت في احتفال البيال، إلى جانب جملة المواقف التي أطلقها الرئيس الحريري، مستوى التمثيل لكتلة الإصلاح والتغيير عبر وفد موسّع، إن كان يدل على شيء فهو يُشير إلى انفتاح واضح من قبل الجنرال على المستقبل خصوصاً، وما يمثل من جمهور سني عموماً.

وجاء الاجتماع المطوّل، أمس الأول، مع الرئيس الحريري الذي استكمل بعشاء ليؤكد هذه القراءة الجديدة في المواقف العونية من خلال إعادة حسابات أكثر توازناً تصوّب سياسة التيار البرتقالي التسويقية لرئاسة الجمهورية على أساس طرح الجنرال كمرشح توافقي، منفتح على مختلف التيارات وقادر على التحاور مع سائر الأطراف، محاولاً الخروج من الصبغة الفئوية الضيّقة، ومحولاً شعار «أنا أو لا أحد» إلى «أنا مع الجميع»!

لا يمكن التقليل من أهمية هذا الانفتاح، وقدرة التيار العوني على التواصل مع كل الأفرقاء، بغض النظر عن الاختلاف بالرؤية أو السياسات أو حتى الأولويات، إذ أن التجارب العديدة أثبتت أن عدو الجمهورية الأول هو التقوقع على الذات، والانقطاع عن الشريك في الوطن… ولن يكون بمقدور أي مرشح أن يفرض نفسه على الفريق الآخر، من دون تواصل وتوافق، إذ أن من فرض بالسابق على الجمهورية عجز عن كتابة تاريخ سياسي مشرف، وضرب الديمقراطية بصميمها وحولها من نظام منتج، الى حالة كيدية دمرت كل الطاقات الإيجابية، وشوّهت إنجازات عهدها، وأعادت الوطن سنين عديدة الى الماضي المتخلف.

انطلاقاً من هذه المقاربة، يبقى الرهان اليوم على صلابة أرضية الانفتاح والتواصل بين الأفرقاء لإخراج الرئاسة الأولى من دوّامة الفراغ، على ألا يكون مرحلة مؤقتة مفروضة على المرشحين للوصول إلى الكرسي، ومن ثم تعود الممارسات المتفردة والثأرية إلى سابق عهدها.. حتى لا تطيح بما سبق تحقيقه، وما يحمل المستقبل من إمكانات تطوير لدولة المؤسسات التي نخر الفساد أساساتها، وباتت أحوج إلى ورشة إعادة تأهيل متكاملة.

لقد خاض لبنان تجارب كثيرة، ودفع أثمانها الباهظة، كما عايش كل سياسي تجربته الخاصة بحلوها ومرّها… إلا أن الدرس الأساسي كان واضحاً للجميع على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، أن لبنان محكوم بالتوافق ولا مفرّ منه، والتعايش هو قدر اللبنانيين، وبالتالي، إذا ما كتب لتجربة سياسية النجاح، فلا بدّ أن تبنى على التعاون والتواصل وملاقاة الشريك في الوطن بمنتصف الطريق، وهي  مدرسة رفيق الحريري التي كرسته زعيماً وطنياً بامتياز، وكشفت الكثير من الأقنعة، التي لبست لغايات في نفوس أصحابها، ولكنها لم تستطع أن تتغلب على منطق الانفتاح والوفاق في نهاية الأمر.

على أمل أن نتعلم من تجاربنا، وألا نخوضها تكراراً وندفع أثمانها مراراً، تبقى الأنظار متجهة نحو الحوارات المفتوحة، وقدرة كل فريق على استيعاب الآخر، بأقل ضرر ممكن، حتى نبني جمهورية سليمة، ونمارس ديمقراطية حقيقية!