عندما لعب أمين الجميل على الحبال السورية والإسرائيلية.. مَن دفع الثمن؟
من أندروبوف إلى بوتين.. «الاشتباك» عند حدود لبنان
يبدي سياسي مخضرم أسفه للمستوى السياسي الذي بلغه لبنان، «لكأننا لم نتعلّم من دروس الماضي التي كلفت لبنان كثيراً نتيجة التردّد والخيارات الخاطئة التي بلغ بعضها حدّ الانتحار، لذلك، يمكن لما نعقده من تفاهمات اليوم أن يكون أفضل مما قد نجد أنفسنا مرْغَمين على فعل مثله أو أقل منه بكثير في الغد، وأي تردّد سيرتدّ على الجميع مزيداً من التدمير الذاتي والنزف الميثاقي والاجتماعي والاقتصادي، خصوصاً هجرة الشباب اللبناني الى الخارج».
يذكّر السياسي بما حصل غداة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 ووصول أمين الجميل الى سدة الرئاسة الأولى خلفاً لشقيقه بشير الجميل، فيقول: «في عهد الرئيس الجميل، أقرّ مجلس النواب (باستثناء نائبين صوّتا ضده) برئاسة كامل الأسعد.. والحكومة برئاسة شفيق الوزان اتفاق 17 أيار. بعد الإقرار، أقام الجميل إفطاراً في القصر الجمهوري في بعبدا، على شرف شفيق الوزان الذي كان متحمّساً للاتفاق، في مشهد أريد منه ان يشكل «استفتاء وطنياً» ولو بالشكل، لمصلحة الاتفاق، بينما كانت الأكثرية الشعبية، وخصوصاً في المقلب الاسلامي في مكان آخر، وكانت قد انطلقت المقاومة الوطنية المسلحة مع العدو الإسرائيلي فور احتلال بيروت، وبإمكانات متواضعة جداً».
يضيف السياسي «إلا أن الجميل استمرّ في تلك المرحلة بالتردد ولم يوقّع الاتفاق ليصبح نافذاً، وأرسل جان عبيد مراراً الى سوريا وأبلغ الرئيس حافظ الاسد أنه لا يريد توقيع الاتفاق، لكنه لم يترجم الوعد الى حقيقة بالإعلان عن رفض توقيع الاتفاق، وفي الوقت ذاته أرسل سعد حداد الى اسرائيل واعداً بأنه سيوقع، في حين ان الاسرائيلي كان يريد توقيعاً سريعاً، وكان الرد الاسرائيلي في الجبل (إدخال «القوات» الذي مهّد لـ «حرب الجبل») وصولاً الى «تدبير» المذابح، في رسالة مفادها أن عدم التوقيع يعني عليكم يا مسيحيي لبنان ان تتدبّروا أموركم».
يتابع السياسي الذي واكب تلك المرحلة: «تردد الجميل أوقعه بين السوري والإسرائيلي، فصار الاثنان غير راضيين عنه، لكنه كان يعتقد أن اتكاله على الإدارة الاميركية هو الذي سيحميه وينقذه، غير أن سوريا حافظ الأسد كانت ناقمة جراء اتفاق 17 أيار ووصفته القيادة السورية بأنه «أخطر من كامب ديفيد»، وفي المقابل، كانت اسرائيل تهدد وتضغط للتوقيع. استمر التردد، أي اللاقرار سنة ونصف السنة يمكن القول إنها كانت بين أسوأ المراحل التي عاشها لبنان، وفي النهاية، صعد الجميل الى سوريا ومدّ له السوريون السجاد الأحمر وشكل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس رشيد كرامي، والمؤسف أنه لو كان فعل ذلك منذ البداية لكان وفّر على لبنان، خصوصاً على المسيحيين الكثير».
يستشهد السياسي ببرقيات ديبلوماسية وصلت من نيويورك الى الجميل تضمّنت نصائح له بأن لا يستكين للوعود الاميركية وبان لا يمضي بالاتفاق مع اسرائيل، وبالتالي عليه ان يتصالح مع سوريا حفاظاً على بلده. من هنا القول ما أشبه اليوم بالأمس. لقد أنتج المستوى السياسي اللبناني نتيجة انقسامه الوضع ذاته ولو وبعناوين مختلفة، تكفي الإشارة الى العبارات العنيفة التي تم تبادلها في الشهور الأخيرة بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، وصولاً الى تصويب هذا مباشرة على السعودية والعائلة الحاكمة وذاك على ايران والمرشد الأعلى، حتى جاءت مجزرة برج البراجنة لتعيد تعديل خطاب الداخل اللبناني».
يتوقف السياسي عند جرأة المبادرة لدى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله عبر طرحه سلة متكاملة للحل تحت سقف اتفاق الطائف، بعدما لمس ان عناصر التفجير الداخلي تكتمل في ظل مناخ إقليمي ودولي يحتدم، وبالتالي، ليس مقبولاً بعد تجربة لبنان المريرة على مدى عقود أن يخرج أي مكون ليقول بالغبن والخوف، فقد خرج في الثمانينيات وليد جنبلاط للقول «أنا مواطن فئة ثانية» ليكمّل نبيه بري في حينه بالقول «أنا مواطن أسود في افريقيا الجنوبية»، وها نحن نسمع اليوم من يتحدث بلغة عنيفة عن حقوق المسيحيين، بينما الخطر وجودي على الجميع من دون استثناء».
ما يدور في الكواليس الخارجية حسب السياسي المخضرم نفسه، أنه بعد نجاح التحييد الأمني للبنان، لا بد من تحييد سياسي، وهذا الأمر يحتاج الى ثمن. الثمن استمرار «حزب الله» في سوريا وانتخاب رئيس جمهورية على صورة سليمان فرنجية مقابل عودة سعد الحريري للبنان وترؤسه الحكومة الجديدة».
يعتبر المرجع «أن انفتاح الحريري على الحلول المتوازنة أمر في غاية الأهمية، واذا تشكلت حول هذا الامر قناعة برضى السعودية وايران (سوريا ضمناً)، فإننا نكون قد نجحنا في التحييد وتمديد ضمانة الاستقرار اللبناني».
يختم المرجع بالتذكير أنه في مطلع ثمانينيات القرن الماضي (1982 ـ 1984)، انتقل يوري أندروبوف من مديرية الاستخبارات السوفياتية إلى رئاسة الدولة السوفياتية خلفاً لليونيد بريجنيف وها هو اندربوف الماضي يحمل اسم فلاديمير بوتين اليوم ونجده بكل ثقله في سوريا، أي على الحدود مع لبنان. فعلاً ما أشبه اليوم بثمانينيات القرن الماضي.