Site icon IMLebanon

من بشار إلى البغدادي ألف شكر

«من يضحي بالحرية من أجل الأمن لا يستحق أياً منهما» (بنجمين فرنكلين)

حتى الآن، ما زال تنظيم «داعش« بالنسبة إلي مبعثاً لكثير من التساؤلات، فإن كان الفكر المؤسس مفهوماً، وهو خليط من السادية والحقد والإحساس بالدونية الذي وجد له عقيدة تجمعه وتسوغ أبشع أفعاله على الطريقة الميكيافلية أي «الغاية تبرر الوسيلة». لكن المسألة الغامضة التي لم أسمع حتى الآن تفسيراً شافياً لها، هي كيف تحوّلت داعش، بسحر ساحر وبين ليلة وضحاها، إلى منظومة تحوي عشرات الألوف من العناصر المدربة والشديدة الفعالية؟ وكيف تمكّنت من بناء شبكة تواصلها التي تعمل بدقة في مناطق نفوذها وفي أنحاء واسعة من العالم؟ وكيف تمكّنت من احتلال مناطق شاسعة في العراق وسوريا من دون أن يلحظها واحد من الأقمار الصناعية المخيمة دائماً فوق سوريا والعراق، أو أن يعرف عنها أي جهاز مخابرات؟

كثيرة هي علامات الاستفهام التي تشير إلى احتمال كبير لمؤامرة ما نسجتها أجهزة ما لأهداف قد تظهرها الأيام الآتية!

ما نعرفه حق المعرفة هو أن العناصر الأساسية في هذا التنظيم أطلقت من سجون الأسد والمالكي، كما أن لنظام آل الأسد تاريخ طويل وموثق في استخدام الإرهاب في مساوماته الدولية، وحتى ذاك الذي هو على عداء نظري معه. لكن هذا لا يعني أن بشار كان يعرف مسبقاً مدى خطورة ما ساهم بإنتاجه. 

لكن المؤكد اليوم هو أن «داعش« أتت لمنظومة الأسد وحلفائها كطوق نجاة تمكن من تعويم دور هذه المنظومة على أساس أنها خطر ثانوي في ظل الخطر الداعشي.

هذا الأمر أصبح واضحاً على مدى السنة الماضية، وتمكّنت هذه المقارنة بين داعش وبشار من دفع الكثيرين إلى قبول ديكتاتور طاغية يقتل الآلاف من دون إعلانات مقابل عنف متخلّف بدائي يتفنن في إظهار نفسه كوحش أسطوري، يستعرض نفسه على الشاشات معتبراً أنه سيخضع الآخرين من خلال إدخال الرعب إلى قلوبهم.

لقد تمكنت داعش خلال السنة الماضية من تحييد الكثيرين ممن دعموا انتفاضة الشعب السوري في السابق، وبعضهم أعاد حساباته، وتنحى معظم أصحاب الفكر السلمي المدني على أساس أنهم «ضعفاء، مائعون!»، وخلت الساحة لأكثر الناس تعصباً وتطرفاً والأقل علماً وثقافةً.

مسار تقاطع المصالح بين داعش ومنظومة الاسد وحلفائه، يصبح مثيراً للشك عندما يتم اختيار فرنسا مرتين كمسرح لعمليات وحشية مثل ما شهدناه سابقاً مع «شارلي إيبدو»، وما حدث منذ أيام من اعتداءات. ففرنسا هي أكثر البلدان وضوحاً في إدانتها وعدائها لبشار الأسد بين الدول الغربية، أما بعد الاعتداء فليس مستغرباً أن نسمع أصواتاً من فرنسا تدعو إلى إعادة النظر في الموقف من بشار مفترضين تحويله إلى شريك في منظومة «مواجهة الإرهاب»، وحتى إن إعلام النظام جاهر، بغباء وشماتة، بفوائد أعمال داعش لبشار.

أما من ناحية أخرى، فإن ما حدث سيزيد في ردود فعل ذات طابع عنصري ضد المسلمين بشكل عام وضد العرب واللاجئين السوريين بشكل خاص، وهذا الفعل سيستدعي ردود فعل قد تؤدي إلى زيادة أعداد الحاقدين الذين سيتحولون إلى داعشيين جدد بعضهم مستعد للانتحار!

أما عن تفجيرات الضاحية الجنوبية المتكررة، فمن الغباء بمكان الاعتقاد بأن هذا النوع من العمليات يمكنه أن يدفع مجتمعاً بأكمله إلى الاستسلام، خاصة لأن الطرف المعتدي لا ينتظر منه إلا أن ينقل جهنم إلى الأرض وأن يحول حياة البشر مجرد سعي إلى الآخرة. لقد أكدت التجارب الطويلة السابقة بأن تلك العمليات الإرهابية تدفع عادة إلى المزيد من التطرف عند الطرف المعتدى عليه، وفي وضع الطائفة الشيعية في لبنان فإن ذلك سيترجم بمزيد من الالتفاق حول «حزب الله« وعض الجرح على الخسائر الكبيرة على أساس أنها لا تقارن بما قد يحصل لو انتصرت داعش. هذا بالطبع يعني المزيد من الانغماس في نار سوريا دفاعاً عن بشار الأسد.

ليست المرة الأولى على مدى القرن الماضي التي يضرب فيها الإرهاب العالم، وإن كان تحت شعارات يسارية وعلمانية وقومية وعنصرية، وفي كل مرة كان الفاعلون يظنون أنهم قادرون على تركيع العالم وإجبار البشر على تسليم حريتهم فداءً لأمنهم، وكان الإرهاب يفشل في كل مرة، وعلى طريقه كان دائماً يخدم مصالح أعدائه.

لا أفترض أن «داعش« يهمها خدمة مصالح بشار، وإن كان الأمر يوشي بتفاهم عدم اعتداء بين الطرفين، فلم نر مثلاً متفجرة انتحارية في مناطق نفوذ النظام، لكن «داعش« بإباحية عنفها ساعدت العالم على التغاضي عن عنف بشار المستور. كما أن بشار وأمثاله وداعميه من إيرانيين وروس، هم دافع أساسي لتموين «داعش« بأجساد جديدة مستعدة لكي تتشظى أملاً في أن تذهب أرواحها إلى الجنة.

على هذا الأساس، فالأولى ببشار أن يبعث بأسمى آيات الشكر للبغدادي، أما العالم فعليه ألا يسقط ميزان العدل أمام هول الحدث فيعفو عن بشار مع أن إجرامه فاق بأضعاف حجم جرائم «داعش«.

([) عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»