تعثرت سلاسة العملية الانتخابية في العراق، بعد القرار بإعادة الفرز يدوياً، ما يهدّد بتغيير نتائج الانتخابات التي أتّسمت بأنها كانت سياسية وبعثت الى طهران برسالة عن تعرّض نفوذها لانتكاسة هناك. توجد جهات تؤمن بنظرية أنه لمعرفة كيف ستسير مرحلة ما بعد الانتخابات في لبنان يجب لحظ ما يجري في مرحلة ما بعد الانتخابات في العراق. وإذا صدق تحليل مطلقي هذه النظرية، فإنه ببساطة يمكن توقّع أنّ عملية تأليف الحكومة التي ستترجم نتائج الانتخابات في لبنان لن تكون سلسة ولا حتى سهلة، ولا يُستبعد حصول مفاجآت خلالها.
لقد أسفرت إنتخابات العراق عن عودة المشهد الإيراني ـ السعودي هناك الى مربّع الصدام السياسي الذي يتخلّله دخول أطراف أخرى على خطه، لتمارس سياسات التفجير الأمني، كما حدث أمس الأول في مدينة الصدر ببغداد التي إستُهدِفَت بتفجير مزدوج.
والواقع أنّ قرار إعادة النظر بنتائج الإنتخابات العراقية التي كانت تمهّد لتأليف حكومة يرأسها حيدر العبادي ويمثل ثقلها السياسي مقتدى الصدر، إضافة الى تفجيرَي مدينة الصدر، هما حدثان يمثلان رسالة كافية للإقتناع بأنّ معادلة العبادي ـ الصدر في العراق القريبة من الرياض على حساب طهران تعوزها حمايةٌ داخلية وإقليمية لكي تستطيع الصمود على أرض الواقع.
كذلك يمثل هذان الحدثان إشارة واضحة إلى أنّ نتائج الانتخابات العراقية، بغضّ النظر عن فرزها إلكترونياً أو يدوياً، لم تُسفر عن نتائج سياسية متوازنة تكفي لجعلها تعكس كل نتائج تصويت الناخبين العراقيين، مضافاً اليها نتائج تصويت الناخبين الإقليميين المتدخّلين في العراق. والترجمة العملية لهذا المعنى، هو أنه لا يكفي في حالة العراق، إجراء الانتخابات وفرز أصواتها، بل المطلوب لدى احتساب الأصوات، لحظ عدد أوراق الأصوات الإقليمية في صندوقة الخيارات السياسية للعراق التي من دون إحتسابها تصبح كل أصوات صندوقة الناخبين العراقيين، ملغاة.
يُعطي تعثر مسار العملية السياسية بعد إنتخابات العراق، ضوءاً أحمر للبنان الذي يعيش مرحلة ما بعد إنتخابات أيار. ومكمن الربط هنا، يتمثل في أنه إذا كانت طهران قرأت في نتائج انتخابات بلاد الرافدين رسالة نكسة لنفوذها، وهي تقوم حالياً بتصحيحه عبر توسّل خلاف عراقي داخلي بين «حزبي» الفرز اليدوي والفرز الإلكتروني، فإنه بالنسبة الى لبنان هناك أطراف إقليمية ودولية لا تزال ترى أنّ انتخابات أيار أصابتها بنكسة، وأنّ إيران حققت فيها مراكمة لنفوذها في بلد الأرز. وثمّة أكثر من واقعة مادّية أكّدت لبيروت في الايام الماضية أنّ عدم رضا واشنطن عن نتائج الانتخابات اللبنانية، لا يزال مستمرّاً.
والواقعة الأبرز ضمن هذا السياق، تفيد أنّ بيروت تلقّت بعد صدور نتائج انتخابات أيار ملاحظة من دولة أوروبية كبيرة، تنصح بأن يبذل لبنان جهداً نشطاً مع وزارة الخارجية والكونغرس الأميركيين للإيضاح لهما بأنّ قلقهما من نتائج الانتخابات ليس في محلّه. وتلفت هذه النصيحة نظر بيروت الى أنّ واشنطن رغم من حرصها على الإستقرار في لبنان، إلّا أنها لا تزال تنظر الى انتخاباته ونتائجها السياسية، من ثقب نزاعها مع إيران في المنطقة.
قد يكون الرئيس سعد الحريري محقّاً في توخّي أقصى السرعة في تأليف الحكومة. وأيضاً قد يكون إلحاح بري عليه ليبدي سرعة أكبر بحيث يكون ممكناً تأليفُها قبل عيد الفطر محقاً ايضاً. ولكن تبقى هناك خشية من أن تظلّ التطوّراتُ الإقليمية من العراق الى لبنان، وبالعكس، لديها قدرة سرعة لا تضاهيها نيّات «السرعة اللبنانية» التي هناك خوف من أن تصبح «تسرُّعاً» فيما لو لم تتوخَ الحذر خلال تخطّيها المطبّات الإقليمية الميحطة بلبنان.
وتقع الخشية حالياً، من أن يواجهَ تأليف الحكومة ثلاث مطبات إقليمية ودولية عاصفة، فيما لو تفلت النزاع الإيراني ـ الأميركي ـ السعودي، من عقال الضبط الأوروبي ـ الروسي له، سواءٌ في سوريا أو في العراق واليمن.
ـ الخشية الأولى تتمثل في أن تعتبر كل من الرياض وواشنطن أنّ ما يجري في العراق هو إنقلاب إيراني على النتائج السياسية لانتخاباته، وأن يرفضا تقبّل هذا الأمر بحيث تتمّ معاملة طهران بالمثل في لبنان، حيث يتمّ السعي للإنقلاب على النتائج السياسية للانتخابات اللبنانية، وذلك عبر جعل ميدان عملية تأليف الحكومة بمثابة صندوقة بريد دولية وإقليمية للردّ على انقلاب إيران في العراق، أو لردّ طهران على محاولات هزّ نفوذها في العراق عبر تشكيل حكومة تعكس نتائج انتخابات لم تكن في مصلحة إيران..
ـ الخشية الثانية هي أن تتعقّد أزمة نتائج الانتخابات العراقية، بحيث لا يعود ممكناً فرز أصواتها السياسية لا يدوياً ولا إلكترونياً، وحينها سيصبح متوقّعاً الى درجة كبيرة ربط تجميد نتائج فرز انتخابات العراق بتجميد تشكيل حكومة انتخابات لبنان.
ـ الخشية الثالثة وهي الأخطر، وتتمثل بحصول انقلابات سياسية مضادة في كل من لبنان والعراق، ما يقود الى وضع يصبح فيه وجود الحريري على رأس حكومة في لبنان، أمراً غير مسلّم به، تماماً كحالة وجود العبادي على رأس حكومة في العراق، والبديل أزمة تأليف حكومة في بيروت وأزمة فرز نتائج الانتخابات في بغداد، وذلك في انتظار مقايضة أو إستمرار الصدام.