IMLebanon

من بيروت إلى الرياض: المطلوب واحد

اللبنانيون في قلق. وحده الغبيّ أو المتعصب لا يقلق من تردي علاقة لبنان بمجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً بالمملكة العربية السعودية. لا ينفع اللبناني ابتلاع المهدئات. المشكلة حاضرة وتتفاقم وهي تعني المواطنين جميعاً، أنصار 14 آذار وجماعات 8 آذار والمستقلين.

نبحث عن وساطات في أماكن بعيدة والمطلوب واحد وقريب. إنه القشة التي قصمت ظهرنا: التردد أو التحفظ في الموقف من الاعتداء على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. الحاكمون في إيران تنصلوا وإن لم يصدقهم أحد، لكنهم تنصلوا علناً أمام أهل منطقتنا وقادة العالم. وردد الحاكمون في بغداد كلام جيرانهم الإيرانيين في اجتماعات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. العراق الموصوم بنفوذ طهران غسل يديه من جريمة الاعتداء على المقرّين الديبلوماسيين السعوديين. هذا منطق الأمور، ولا علاقة له بالخلاف السياسي وحتى بالخصومة أو العداء.

المطلوب واحد وقريب، أن يعتذر حكام لبنان بوضوح عن خطأ خارجيتهم، بما يعني تأكيد العلاقة اللبنانية – السعودية العريقة. وفي ذلك شجاعة وواقعية لا يفتقدهما اللبناني.

غريب أمر الإدارة الحاكمة في الوطن الصغير. كأنها ليست من نسل الذين ربطوا الشرق والغرب بحبال متينة في الاقتصاد والسياسة والثقافة. ودوّروا الزوايا في مرحلة الطفرة الناصرية ومدها الجارف. كان الصراخ يعلو بالتخوين، وصولاً إلى الشتائم، فاستطاعت النخبة اللبنانية الحاكمة آنذاك الحفاظ على علاقات حسنة مع جبابرة الصراع في المنطقة، معلنة لبنان منصة إعلام وحوار فكري وتبادل مصالح سياسية واتصال بالعالم، ومع هذا كله تأمين مصالح اللبنانيين، الناصري منهم والمناهض لعبدالناصر.

الخارجية اللبنانية لم تكن موفقة في الملتقيين العربي والإسلامي، وإن تذرعت كما قال وزيرها بالبيان الوزاري اللبناني. لقد نظرت إلى شكله ولم تدرك معناه الواضح والمتوهج: إدانة الاعتداء على مقارّ ديبلوماسية ووجوب التضامن العربي والإسلامي في هذا المجال على الأقل.

هكذا تتم قراءة البيان الوزاري للحكومة اللبنانية وليس باصطناع الانحياز إلى وحدة وطنية رآها وزير الخارجية مهددة: مَن يستطيع من الأطراف اللبنانيين تأييد الاعتداء على السفارة والقنضلية السعوديتين في إيران؟ ومن يجرؤ على مثل هذا التأييد في لبنان الصديق التاريخي للسعودية منذ ملكها الموحّد عبدالعزيز آل سعود؟

اللبنانيون المعنيون بكتابة تاريخهم القديم والحديث والذين يتفقون أو يختلفون على وقائع هذا التاريخ، لا يستطيع أي منهم إنكار إيجابية العلاقة بين بيروت والرياض، فهي بقيت مستمرة وناهضة في مراحل الهدوء والتأزم في عالمنا العربي. ولا يمكن أي منطقة في لبنان أو طائفة أو حتى عائلة، إلّا تلمس علاقة ما بالمملكة العربية السعودية، علاقة حاضرة في الواقع وفي الذاكرة. ولا ننسى حضور كل من البلدين في خيال مواطني البلد الآخر. اللبناني يعرف المملكة جيداً وإن لم يزرها، فقد رآها في صوَر أهله أو أقربائه، والسعودي يعرف لبنان جيداً في ساحله وجبله وسهله، وله في هذه الأمكنة أصدقاء ومشاركو اهتمامات ومعارف.

وأبعد من ذلك، فالسعودية تمثل للعرب اليوم، وبالتالي للبنانيين، المرجع الأساس بعد انهيار العراق وتردي أحوال مصر. لذلك، يتمسك اللبنانيون بالعلاقة مع الرياض ويرونها حيوية من النواحي الاستراتيجية، قبل القرابة القومية والصلة الثقافية والمصالح الاقتصادية.

لا أعتقد أن الحضور السعودي في لبنان ضعُفَ بعد موقف الخارجية اللبنانية المؤسف. إنه قوي وحيوي مثلما كان دائماً، وهذه الحقيقة يجب أن يعرفها العالم، الصديق وغير الصديق، فليس لبنان ساحة صراع بين الرياض وأي منافس آخر، لأن للسعودية مكانة وتاريخاً مع الوطن الصغير يعرفهما الكاره قبل المحب، وإن كان هناك من يحاول الاستفادة من قلق اللبنانيين.