ما يجري من تطورات ومحولات في المنطقة والولايات المتحدة الأميركية والعالم، هو أهمّ بكثير من المناكفات السياسية التي كانت تجري بخشونة وفظاظة في السابق. وتحوّلت اليوم الى مناكفات ناعمة حول التشكيل الحكومي مسايرة للعهد، وللحكم الجديد الذي لا يتحمّل المزاح معه! الحرب هي مناخ، والسلم أيضا. وعلى الرغم من كل ما يوصف به لبنان – الدولة والمجتمع – من بنيان هش وقابل للكسر، فقد تمكن في زمن تفشي وباء الحروب في المنطقة، من تجاوز مناخ الصدامات والدماء بنجاح نسبي مرموق. وتسود اليوم لغة خطاب سياسي منفتح على الحوار، والتفهم والتفاهم، ويفسح في المجال أمام تدشين مرحلة مصارحات ومسامحات تطوي ذلك الجزء من الماضي الذي تضمن صفحات سوداء أو دامية…
الشطارة الحقيقية ليست في هذه المبارزة بين الأقطاب لاشاعة أجواء ايجابية ومتفائلة حول التشكيل الحكومي، وتحميل جميلهم الى الشعب اللبناني بكل مندرجاته. ذلك أن الحكومة ستشكّل في النهاية، ومن شرب كأس الرئاسة الأولى، لن يغص بكأس الرئاسة الثالثة! والمحك الحقيقي هو في ما بعد التشكيل ونيل الحكومة الجديدة الثقة في البرلمان بغالبية تقارب شبه الاجماع. وهذا المحك هو – كما يردد الجميع – هو قانون الانتخابات النيابية الجديد. وليس المهم في هذا الشأن ماذا في قلوب السياسيين، ولا في الجهة التي جعلوها هدفا لضربه بسيوفهم، والمقصود به هو ما يسمّى ب قانون الستين!
فوّت لبنان بعض الفرص الذهبية النادرة لبناء دولة حقيقية تقترب من مواصفات الدولة بالمفهوم الحديث. وتسنح اليوم أمام اللبنانيين – شعبا وسياسيين وسلطة – فرصة ذهبية نادرة مع عهد جديد لا تصحّ فيه مقولة السمك يفسد من رأسه، أو مقولة التلم الأعوج…. وهذا يعني ان محك قانون الانتخاب الجديد، هو أن يكون المدخل والمعبر الى اصلاح تاريخي عام وشامل يشمل كل قطاعات الدولة وشؤون الحياة للشعب اللبناني. وهذا المحك هو التوجه الى قانون انتخاب نسبي كامل، وان لم يكن على مستوى لبنان دائرة انتخابية، فلا بأس من ان يكون على مستوى بعض دوائر قليلة وموسّعة. واذا تمّ ذلك فسيكون من المقبول أي تمديد تقني للبرلمان بقدر ما يحتاج القانون الجديد من الوقت للتطبيق.