من باغت الشعب الأميركي بفوزه بالرئاسة، من الطبيعي أن يكون باغت العالم أيضا. والتحسّب من وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب الى البيت الأبيض، وممارسة مهامه الفعلية اعتبارا من كانون الثاني / يناير المقبل، هو حذر على درجات متفاوتة من الخطورة، إن بالنسبة الى الداخل الأميركي، أم بالنسبة الى الخارج. وهذه النقزة من رئاسة ترامب تشمل دولا عظمى وكبرى بالدرجة الأولى، مثل روسيا والصين، وغالبية من دول القارة الأوروبية، بدليل ما بدأت في اتخاذه من تدابير احترازية، أو من اجراءات للتكيّف مع الواقع الجديد في العالم. غير أن ما يوجب ان يكون الأكثر حذرا وتحسبا وقلقا هو العالم العربي ودول الشرق الأوسط بأقطابها، تركيا وايران والمملكة العربية السعودية… أما اسرائيل فلها وضع خاص خارج هذه المعادلة في المدى المنظور.
من الظواهر الايجابية، في هذه المنطقة الغارقة بكل أنواع الهول والمهالك، ادراك الدول المعنية العربية وغير العربية، بالخطر الداهم الآتي من تغيّر المزاج الأميركي الشعبي والرسمي مع صبغة عنصرية، وكان من علاماتها الفارقة استبدال الرئيس الأسمر ب الرئيس الأشقر عند قمة هرم العالم، وذهاب باراك أوباما ليحلّ محلّه دونالد ترامب! وخطاب المعركة الرئاسية وما تضمنه من شعارات وايحاءات للمرشح ترامب من توجهات راديكالية وعنصرية، اقترنت بتعيينات أجراها الرئيس المنتخب لشخصيات ربما هي أكثر تطرفا، وأكثر اثارة للقلق والحذر الشديدين، وهي شخصيات معروفة بعدائها للعرب كعرق، وللاسلام كايديولوجية!
الحراك بالغ الأهمية الذي يقوم به اليوم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يندرج في اطار هذا الخطر الآتي الذي يلوح في الأفق. والعمل على انتقال الدول الخليجية العربية الشقيقة من مرحلة التعاون الكونفدرالي في اطار مجلس التعاون الخليجي، الى اطار اتحادي، هي خطوة اذا تمّ توجيه إبرة بوصلتها تكون في الاتجاه الصحيح. وفكرة الاتحاد الخليجي قديمة، ولكن هذا هو أوان تنفيذها. وأول علامة في الاتجاه الصحيح هي تأكيد ان الخطر على الخليج وعلى الأمة يأتي مباشرة من التوجهات العنصرية والصهيونية للعهد الجديد في الولايات المتحدة الأميركية، وليس من أي مصدر آخر، لا في العالم، ولا في المنطقة.
قوة الاتحاد الخليجي لا تكتمل إلاّ بإقامة منظومة دفاعية اقليمية عن الخليج والمنطقة، تؤجل الخلافات الراهنة وتجميد امتداداتها التاريخية التي تعود الى أكثر من ١٤٠٠ سنة، والالتفات الى الخطر الداهم الآتي عبر الاطلسي، وهذا الواقع يقتضي التنبه والحذر من المؤامرة الخبيثة التي تحاك اليوم. ومن أبرز عناصرها امتناع الجيوش الأميركية والاسرائيلية بعد اليوم، عن شنّ أية حروب جديدة في المنطقة. والاستعاضة عن ذلك بحروب بين دول الأقليم تدمّر بعضها بعضا، على غرار ما حدث في حرب الثماني سنوات بين العراق وايران. وأخطر ما في هذه المؤامرة الجديدة هو التحريض العلني والضمني لإشعال حرب جديدة مدمّرة، بين الاتحاد الخليجي وايران!