Site icon IMLebanon

من الوجدان الى الوجدان رئيس لبنان تحدّث للتاريخ  

الكلمة الوجدانية البليغة التي أدلى بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام قمة بحر الميت العربية هي كلمة للتاريخ، ولم تعرف القمم العربية كلمة أشد بلاغة وأكثر صدقاً منها. لم يضيّع المعنى الجميل جمال المبنى المشرق وروعته، ولم تذهب الأفكار البناءة بجلال العبارات التي ذكّرتنا بالخطابات الرئاسية ما قبل الحرب، إذ كان الشيخ بشارة الخوري يزاوج بين الكلمة ومضمونها في أسلوب هو الفرادة التي لا تجارى. ودأب رؤساء تلك الحقبة على التعاون مع أدباء كبار وسياسيين كبار لتدبيج خطاباتهم والرسائل الموسمية (في عيد الإستقلال مثلاً) حفاظاً على تراث أدبي كبير عُرف به هذا الوطن العربي الصغير الذي يعتز أبناؤه بأنهم أوفياء الى اللغة العربية التي تعتبر إحدى أهم اللغات في العالم التي يتعانق موسيقى مبناها مع أبعاد معناها.

ولقد استوقفني هذا التزاوج الخلاّق بعدما شهدت مرحلة ما بعد الحرب خطابات رئاسية كان بعضها، بل معظمها، يضجّ بالسطحية في المعنى وبالركاكة في المبنى (…).

وبعد، فلقد أسهب الرئيس عون في الكلام على «خطورة المرحلة» المشتعلة بأوار الحروب، الملبّدة الأجواء بدخان الحروب، تسيل فيها أنهار الدماء، ويهيمن عليها الحقد والبغضاء والكراهية.

وجزم رئيس لبنان: «علينا، اليوم، أن نقرر وقف الحروب بين الأخوة، بأشكالها كافة: العسكرية والمادية والإعلامية والديبلوماسية والجلوس الى طاولة الحوار». فهذه الحال يجب ألاّ تستمر خصوصاً وأن هذه الحروب عبثية لن توصل الى رابح… لأن «الجميع خاسرون، الجميع قتلى، الجميع جرحى، الجميع متألمون، الجميع جياع يتسولون لقمة العيش». الى أن يرمي الرئيس عون القمة بالسؤال – الصدمة: «من أجل مَن نتقاتل، ومن أجل ماذا نقتل بعضنا البعض؟». والنتيجة: «حاضرٌ يُدَمَّر ومستقبل يحترق».

أما الجامعة العربية فلبنان يريد إحياءها لتستعيد دورها وفق ميثاقها بعدما طاولتها الشظايا و»ضربتها في الصميم فشلّت قدراتها وجعلتها عاجزة عن إيجاد الحلول». وبالتالي الى العمل وعدم الإكتفاء بالحكي: «إن بيانات الإستنكار والإدانة لم تعد كافية (…) لذلك عليها أن تستعيد دورها ومهمتها… وهذا يعني «إعادة لمّ الشمل».

طبعاً تناول الرئيس «الضيوف» الأخوة الفلسطينيين والسوريين الذي يوازون نصف عدد سكان لبنان، فلا بدّ من عودتهم «الآمنة» الى ديارهم.

وكي لا يبقى الكلام كلاماً أعرب الرئيس عن أن لبنان «يبدي كامل استعداده للمساعدة في إعادة مدّ الجسور وإحياء لغة الحوار»… ذلك ان هذا الوطن عاش حروباً متنوعة «لم تنته إلاّ بالحوار».

وحذّر الرئيس انه في حال لم يبادر العرب الى وقف هذه الحروب «ذهبنا جميعاً عمولة حلّ لم يعد بعيداً» و «اللهم أشهد أني بلّغت».

لقد بلّغ لبنان. ومن له أذنان سامعتان فليسمع.