IMLebanon

..من الفساد والى الفساد يعود

يوم تأسس «حزب الله» في بداية الثمانينات حمل للناس عموماً ولأبناء طائفته خصوصاً، مشروعين وهميّين دخل على أساسهما من باب المجتمع اللبناني العريض والمتنوع إلى زواريب المذهبية الضيقة، ليفرض على الطائفة التي خرج منها جملة شرائع وقوانين مستوردة تحولت لاحقاً إلى دستور صارم ومتشدد داخل مناطق نفوذه لكنه قابل في الوقت نفسه للنقاش وتبادل وجهات النظر خصوصا إذا ما تعلق الأمر بأحد أفراده.

في ما يتعلق بالشق الأول، فقد أعلن «حزب الله» مشروعه «المقاوم» وإستطاع من خلاله أن يستقطب مؤيدين كثراً سواء عن طريق الترغيب أو الترهيب ليصل إلى ما هو عليه اليوم من تخبط وعجز واضحين في ظل انحراف بوصلته وليصبح شريكاً مُساهماً في قتل وتشريد الشعب السوري وتدمير بلده، علماً ان بوصلة مقاومته كانت قد انحرفت الى الداخل اللبناني رغم تأكيدات وتطمينات قادته المستمرة لغاية اليوم، بأن السلاح لن يُستعمل في الداخل وأن وجهته هي العدو الإسرائيلي فقط.

المشروع الآخر الذي حمل «حزب الله» لواءه ورفعه في مناسباته العامة والخاصة، كان محاربة الفساد، الفساد بكل أنواعه والذي على أساسه قرر في بداية التسعينات دخول الندوة البرلمانية تحت شعار آخر «مكافحة الفساد من الداخل»، لكن السلطة استهوت الحزب لينتقل لاحقاً من العمل البرلماني الى العمل الوزاري ليُصبح بعدها الرقم الصعب في الفساد بعدما حوّل الوزارات والمؤسسات التي تسلمها الى جانب حلفائه إلى ممتلكات خاصة ومرتع لزبانيته. ويُخطئ من يظن أن السلطة هي التي أفسدت الحزب والصحيح أن وزراء ونواب «حزب الله» زادوا الدولة فساداً بعدما تحوّلوا من شركاء في الفساد إلى أولياء أمور.

من دخل السلطة تحت حجة محاربة الفساد الواهية أصبح ركناً أساسياً فيه وشريكاً رئيسياً في صفقات جانبية وعلنية، ومن منطلق إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا كان الأجدى بسياسيّي الحزب تطبيق المثل وعدم اتهام الغير بما هم غارقون فيه حتى أخمص قدميهم، وما استهدافهم المُركّز والمتكرر لمنطقة «سوليدير» في وسط بيروت، سوى محاولة مكشوفة لتغطية الفساد الذي يرتكبه في المرافئ والمرافق العامة وفي بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها ولحرف الأنظار عن تحويل لبنان إلى قاعدة فارسية في المنطقة منها تنطلق العمليات بالإتجاهين الاسرائيلي والسوري وبالدرجة الاولى لإظهار صورة معاكسة له أمام بيئته وجمهوره بعد الحملات الأخيرة التي طالت عدداً من مسؤوليه السياسيين في الدولة تحديداً، والتي اتهمتهم بالفساد ووصلت الى حد مطالبتهم بالكشف عن حساباتهم وحسابات عائلاتهم المصرفية.

فساد «حزب الله» تحول إلى اغتيال عمراني في «وسط بيروت» مع ما يُمثله بالنسبة الى شريحة واسعة من كل فئات الشعب اللبناني وتلاوينه المذهبية. ففي هذا «الوسط» الذي جميع أوصال البلد شوهد إنقلاب «الأخوة» وتحوّل دور السلاح من حام ومنقذ للوطن، الى اداة لقتل أبنائه، ومع هذا بقي «الوسط» يؤدي دوره في جمع اللُحمة ومركزا للحوار والتحاور ونقطة أساسية للتعبير عن أوجاع الناس رغم محاولات إحراقه وتغيير معالمه مرّة من خلال التكسير والتخريب، ومرّات عن طريق الإغتيالات العلنية. وقد عبّرت كتلة «المستقبل» أمس عن رمزية الوحدة التي تتجلى بمنطقة «سوليدير» و»الوسط» والتي يرفضها «حزب الله« ويعمل دائما على تقويضها، وهي رمز للصورة المشرقة للبنان بأبعادها، كانت وماتزال القاطرة الأساسية لنهوض الاقتصاد اللبناني ونموه ليس في بيروت وحدها بل في كل لبنان.

من هنا بدأ فساد «حزب الله» وإلى هنا وصل. تحت حجة عدم وجود دولة في الضاحية الجنوبية استغل الحزب حاجات الناس ليكرّس فساده، فأنشأ سنترالات خاصة للتخابر الدولي والداخلي لكن من خطوط الدولة، كما بنى مؤسسات تعليمية واستشفائية على مشاعات الدولة واقام مؤسسات شرعية خاصة ما زالت قائمة لغاية اليوم، هدفها فض النزاعات بين المواطنين والحكم بينهم مع تشديد القبول بقضائها أياً كانت نتيجة الأحكام وإنشاء شرطة «الانضباط«، وهو جهاز معني بتسهيل المرور داخل الضاحية، بالإضافة الى غض النظر عن سرقات الكهرباء والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، وتغاضيه عن عدد من تجار المخدرات لفترة من الزمن ما سمح بالتالي بفرض واقع جديد تحت مُسمّى «شبيحة الضاحية» وهم مجموعات من شبان المناطق العاطلين من العمل نموا تحت أعين الحزب وحراسته حتى كبروا وأصبحوا يفرضون الخوّات على أصحاب المحال التجارية ويسرقون المحال والبيوت ويعتدون على حرمة الناس وكراماتها في وضح النهار على مرأى ومسمع عناصر وأمن «حزب الله».

تعدى فساد «حزب الله» الإطار اللبناني فتمدد إلى دول بعيدة وقريبة سواء في الشق الامني أو الإجتماعي والأخلاقي. تبييض أموال وتهريبها من وإلى دول أوروبية وأميركية جنوبية وتهريب مخدرات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر عملاء تابعين له. وقوفه وراء تفجير بورغاس في بلغاريا وتأليف مجموعات لتهريب السلاح في عدد من الدول العربية وآخرها شبكتا الكويت. وهنا يقول أحد اللبنانيين المقيمين في الكويت «لم نصدق نحن اللبنانيين عموما والشيعة خصوصاً ان يقوم الحزب بأمر كهذا، لقد صُدمنا فعلاً، ويا ليت السيد حسن نصرالله كان يُدرك مدى تعاطف الشعب الكويتي وحكامه معنا قبل أن يقوم حزبه بهذه الجريمة بحقنا قبل الكويت نفسها.

الإسبوع المنصرم ردد نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم على الملأ أن «حزب الله يتحمل مسؤولية نسبة معينة من الازمات الحاصلة لكونه شريكا في السلطة الا ان مشاركته بها كانت لهدفين: ضمانة المشروع العام وهو التحرير، ومنع إسرائيل من الإعتداء على لبنان، والأمر الثاني هو خدمة الناس بمقدار ما نستطيع مع هذه التركيبة المتنوعة في لبنان«. لكن قاسم لم يُصرّح عن الطريقة التي خدم بها حزبه الناس، فهل كانت الخدمة من خلال منظومة صلاح عز الدين واختلاسات حسن تاج الدين، أم من خلال حماية تجار «الكابتاغون» وعصابات الادوية المزورة وسرقة السيارات، أم من خلال احتلال بيروت وقتل الناس والتدخل في الحرب السورية وقتل المدنيين فيها اطفالا ونساء وتشريد شعبها؟.