في الوقت الذي كانت فيه الجلبة السياسية والصخب الإعلامي قائمين في بيروت على خلفية عدة ملفات فضائحية وفي مقدمها ملف النفايات، كانت هناك حركة صامتة ومنتجة تجري في واشنطن غايتها إعطاء جرعة دعم وأوكسيجين للجيش اللبناني.
قائد الجيش العماد جان قهوجي كان في زيارة رسمية للعاصمة الأميركية لبحث سبل كيفية تقديم المساعدات العسكرية للجيش في مواجهة الإرهاب المنفلش في جرود عرسال، وقد بدأت طلائع هذا الإرهاب تتمدد خصوصاً أنَّ حرب الحسم بين داعش والنصرة كانت قد بدأت، وأيُّ فصيلٍ من هذين الفصيلين سيرتدُّ على الجيش اللبناني بعد أن ينتهي من القضاء على خصمه.
منذ شهور والعماد قهوجي يدقُّ ناقوس الخطر:
الجيش يحتاج بصفة المعجّل إلى ذخيرة، فالمعارك التي يخوضها في جرود عرسال باتت شبه يومية، وكثافة النيران المستخدمة تُحتِّم إمداداً بالذخيرة كمًّا ونوعاً.
يُدرِك قائد الجيش أنَّ الولايات المتحدة الأميركية منهمكة من أفغانستان إلى الصومال، ومع ذلك فاتح المسؤولين الأميركيين بأنَّ لبنان خطُّ الدفاع عن الديمقراطية والعالم الحر. المعلومات القليلة التي تسرَّبت من اللقاءات المتعددة التي عقدها العماد قهوجي في واشنطن، تسمح بالقول إنَّ قائد الجيش نجح في حث الإدارة الأميركية على إعطاء موافقة مبدئية على رفع مبلغ التمويل العسكري من سبعين مليون دولار إلى 150 مليون دولار.
وللمفارقة، ففي الوقت الذي نجح فيه العماد قهوجي في انتزاع مساعدات بهذا المبلغ، كان السياسيون في بيروت يهدرون قيمة هذا المبلغ وأكثر:
ففي مقابل 150 مليون دولار من واشنطن إلى الجيش اللبناني، هناك 161 مليون دولار من جيب المواطن اللبناني لترحيل النفايات، في وقت تؤكّد كل الدراسات العلمية أنه كان بالإمكان معالجة هذه النفايات قبل هذا الوقت بكثير وبأقل الأكلاف، فهل يُعقَل أن نذهب إلى واشنطن ونحصل على 150 مليون دولار في وقت يهدر السياسيون عندنا 161 مليون دولار؟
المحادثات التي أجراها قائد الجيش العماد جان قهوجي لم تكن سهلة على الإطلاق، فالمسؤولون في الولايات المتحدة الأميركية حذرون جداً من تسليم أسلحة في مناطق تشهد نزاعات لئلا تقع هذه الأسلحة بين أيدي جماعات متشددة، في أيِّ معركة غير متكافئة. في هذا المجال قدّم العماد قهوجي التطمينات المطلوبة، منطلقاً من أنَّ الجيش اللبناني خاض أصعب المعارك في أقسى الظروف، وهذا الكلام الثابت ردده أمام عدد من رؤساء اللجان وأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، من بينهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور روبرت كوركر، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب النائب ادوارد رويس، إضافة إلى أعضاء لجنة الصداقة الأميركية – اللبنانية التي يتشارك في رئاستها النائبان من أصل لبناني داريل عيسى وغوين غراهام، ورئيس لجنة الإستخبارات في مجلس النواب النائب ديفين نونس، ورئيسة لجنة المخصصات في مجلس النواب النائب نيتا لوي، ورئيس لجنة الأمن الإلكتروني جايمس لاجفان، والسيناتور كريستوفر مورفي عضو لجنة الشرق الأدنى وآسيا الجنوبية والوسطى ومحاربة الإرهاب في مجلس الشيوخ.
من خلال الأسماء يتبيّن أنَّها محادثات من دولة إلى دولة وليست مجرد محادثات عسكرية.
العماد قهوجي سافر بصمت وحقق إنجازات للجيش، وعاد بصمت.