IMLebanon

من ديغول إلى ماكرون

 

خمسون عاماً مرت على «الثورة الطلابية» في فرنسا. ثورة انضم إليها العمال وقطاعات شعبية واسعة. أدت في النهاية إلى استقالة شارل ديغول، وهو أبو الجمهورية.

 

 

كان الطلاب يدعون إلى إصلاح المؤسسات الحكومية وينتقدون اليمين المتمثل بالديغولية واليسار المتمثل بالحزبين الشيوعي والإشتراكي. ولم تكن احتجاجاتهم بقيادة أي من مكونات الطبقة السياسية التقليدية الفاشلة. وانضم إليها كبار المفكرين، مثل سارتر ودولوز وفوكو وسيمون دي بوفوار، وأفرزت حركة الفلاسفة الجدد، ونظريات ما بعد الحداثة. ووصل صداها إلى عبر الحدود فلقيت تأييداً كبيراً من الفيلسوف الماركسي الألماني المقيم في الولايات المتحدة هيربيرت ماركوزه الذي يعتبره الماركسيون الكلاسيكيون تحريفياً. ورفع المحتجون إلى جانب مطالبهم بحق العمل والتعليم شعارات أخرى ضد الأيديولوجيا التي «سقطت»، وانتقدوا الإرهاب الإستعماري والحروب الممثلة بالحرب الأميركية على فيتنام، أي أن الحراك كان ثورة ثقافية سياسية اجتماعية بكل معنى الكلمة.

 

فوجئ ديغول، وهوالرئيس القوي ومحرر فرنسا من الإستعمار النازي، بقوة الحراك فلجأ إلى قمع المحتجين بالقوة وسقط عشرات القتلى والجرحى، لكنه عاد ليذعن للأمر الواقع فأمر بإجراء انتخابات مبكرة فاز فيها تياره بسهولة، ما أوحى بأن «الثورة» انتهت وأن النظام الرأسمالي استطاع استيعابها فعادت الأمور إلى نصابها وتحول بعض «الثوريين» إلى التنظير لأهمية النظام وأصبحوا أكثر يمينية من اليمينيين أنفسهم، ولم تعد المؤسسات والبيروقراطية في نظرهم تشكل «أداة للتغريب والإستلاب».

 

لكن ديغول لم يكتف بالفوز في الإنتخابات ويتمسك بالسلطة بل أمر بإجراء استفتاء على قرار بتطبيق اللامركزية، وفشل في الحصول على أكثرية فأعلن استقالته لتبدأ فرنسا عهداً جديداً بعيداً من أبوته وهيمنته الشخصية على السلطة، ووصل بها الأمر إلى الخضوع للرأسمالية المتوحشة ممثلة بالرئيس إيمانويل ماكرون الذي يوصف بأنه «ديكتاتور تحت التمرين».

 

اليوم يتظاهر أصحاب «السترات الصفراء» في شوارع باريس والمدن الأخرى رافعين شعارات تشبه شعارات الطلاب عام 2018، مطالبين بحق العمل(بلغ عدد العاطلين أكثر من 9 في المئة) وعدم تخصيص التعليم والطبابة وبخفض الضرائب، فعادت الحكومة عن قرار رفع أسعار المحروقات موقتاً، لكنها ما زالت ترفض النظر في المطالب الأخرى.

 

وإذا كانت «ثورة الطلاب» حظيت بتأييد واسع من المثقفين وقادة الرأي عام 1968 فإن احتجاجات «السترات الصفر» لم تجذب هذه الطبقة المؤثرة التي طبعت الحياة الثقافية في فرنسا بطابعها التحرري لعشرات السنين. فالزمن زمن «الثورات الملونة» التي تهدد الدول بالإنهيار أو الخضوع لإرادة الشركات، وهو ايضاً زمن الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة التي تنتشر في أوروبا من شرقها إلى غربها، فضلاً عن أن ماكرون ليس ديغول ليستقيل استجابة للإرادة الشعبية.