من أثينا، أمُّ الديمقراطيات، إلى بيروت، أمُّ الشرائع، يصعب على المراقب أو المحلل أحياناً أن يُميِّز بين حقَّيْن أو بين خطأيْن فلا يعود يعرف أين الحق وأين الخطأ، كما لا يعود يعرف كيف ينقلب الحق إلى باطل، لكن الحقيقة التي يعرفها أيُّ مراقب أو أيُّ محلل أو أيُّ متابع، هو أنَّ الشعب، سواء في لبنان أو في اليونان، هو على حق.
في اليونان، الشعب حمَّل المسؤولين أمانة، فكيف ردّوا له الوفاء؟
هل يكون ردُّ الوفاء بأكثر من ثلاثمئة مليار يورو دَيناً عاماً؟
في لبنان الشعب حمَّل المسؤولين أمانة، فكيف يردون له الوفاء؟
هل يكون ردُّ الوفاء بالتمديد على كلِّ المستويات وبالشغور على مستوى رئاسة الجمهورية؟
لا النداءات نفعت، ولا الإستغاثات أيضاً، ولا المناشدات، المنطقة في غليان، من موريتانيا إلى العراق، إنّه الإرهاب العابر للقارات وللدول العربية قاطبةً:
منها مَن وصل إليها وفتك فيها، ومنها مَن يخطط للوصول إليها، ومنها مَن شكَّل فيها خلايا نائمة ربما تفيق بعد شهر رمضان المبارك، ومنها مَن أفاقت فيها الخلايا النائمة وبدأت بممارسة الإرهاب.
لبنان في هذا البحر، سفينة الإنقاذ مثقوبة بألف ثقب وثقب، وركاب السفينة يتلهَّون بكلِّ شيء إلا بمعالجة الثقوب التي يمكن أن تؤدي إلى الغرق.
شيئان صامدان في هذه المعمعة:
البندقية الشرعية والليرة، وهناك تكامل بين هذين الصمودَيْن، فالليرة القوية من الأمن المستقر، والأمن المستقر من الثقة بالإقتصاد.
الإقتصاد اللبناني بات من الثوابت ومن الخطوط الحُمر التي لا يمكن إسقاطها أو حتى المسُّ بها، والتجارب كثيرة في هذا المجال، فبعد إنتهاء الحرب منذ قرابة الربع قرن، والإختبارات أكثر من أن تُحصى:
اسرائيل شنَّت أكثر من حربٍ وعدوان، اغتيالاتٌ بالجملة، ملفاتٌ شائكة وقطع طرقات، ضربٌ للمواسم السياحية مع مطلع كلِّ صيف، ومع ذلك بقي الإقتصاد قائماً، مستفيداً من جملة عوامل أبرزها:
المغترب اللبناني الذي يستمر في إيمانه أنَّ لبنان هو ملاذه الآمن والأخير، خصوصاً بعد كلِّ الذي يراه في المحيط وفي العالم سواء القريب منه أو البعيد.
المقيم اللبناني الذي دفع غالياً ثمن الحرب، وهو لا يريد أن يتخلى عنه في زمن السلم.
الأشقاء العرب الذين مهما قست عليهم الظروف للمجيء إلى لبنان، فإنهم دائماً يسألون عنه ويتحيَّنون الفرصة للمجيء إليه.
لبنان اليوم في مفارقاتٍ رهيبة:
فهو من جهة مثقَلٌ بالإستحقاقات وبالملفات وبالمهرجانات في آن واحد.
فأيُّ بلدٍ في العالم فيه هذا الكَمُّ من الملفات والمهرجانات في الوقت ذاته؟
أليست هذه هي المعجزة اللبنانية؟