إغتيال الرئيس الشيخ بشير الجميّل مستمرّ، كلّ عام في 14 أيلول، تتكرّر الرغبة في اغتياله واندثار ذكره واسمه وحقيقة أنّه «أبو المقاومة اللبنانيّة»، والرّجل الذي حفظ لبنان وأخرجه من بين أنياب العالم الكيسنجري الذي قرّر نقل مسيحيي لبنان بالبواخر إلى كامبات اللجوء في أميركا وسواها لتوطين الفلسطينيين وتمكينهم من أن يكون لبنان وطناً بديلاً لهم، ولم يكن يخجل الفلسطينيون من القول في وجوهنا لو أعادوا لنا فلسطين لن نترك لبنان!
ومن المؤسف أن البعض انجرف بالتزامن مع صدور الحكم على أداة الاغتيال حبيب الشرتوني في التراشق الكلامي حتى طغى اسم حبيب الشرتوني وكأنه يساوي اسم بشير الجميّل، مع أن الحقيقة أن النظامين السوري والاسرائيلي تقاطعت مصالحهما على اغتيال بشير الجميّل أقوى رجل في لبنان، حزب الله وألسنته ووجوهه ورجاله لهم كلّ عام محاولة جديدة لاغتيال بشير الجميل، وهذا أمر يجب أن يستوقف الجميع فباختصار شديد وبعد خمسة وثلاثين سنة بشير الجميّل عصيّ على الموت والغياب، وهو الحاضر الأكبر مع القوات اللبنانيّة بالرّغم من كلّ الوهن الذي أصاب الكيان اللبناني، وللمناسبة وضعنا في العام 2017 عظيم بالرغم من كلّ محاولات السيطرة الإيرانيّة، قياساً على وضع لبنان في العام 1975 مع اندلاع الحرب اللبنانيّة ـ الفلسطينية.
ولمناسبة الحديث عن «العمالة والخيانة» الذي «صرعنا» به عملاء «مقاومة إيران» وحلف «الممانعة وحماية داعش» ـ الشيخ بشير الجميّل ليس قديساً لكنه رئيس للبنان وهو «الأبُ الشرعي» للمقاومة، لأنّ المقاومات الأخرى «الناشئة» على الأرض اللبنانيّة كانت احتلالاً وعلى أعلى المستويات…
لو قدّر لبشير الجميل أن يحكم لبنان، وبحسب خطاب القسم الذي لم يُتِح له أن يقسمه فقد «انعقدت» مصالح كثر على اختفائه فوقع الانفجار.. ما أحوجنا اليوم إلى بشير، بل منذ العام 1991، لكنّا وفرنا على أنفسنا وعلى لبنان الكثير.. لو أصغى البعض لمبادرة بشير في 1981/11/3 لحلّ الأزمة اللبنانية والتي اختصرها في أربعة بنود.. ولو أصغى البعض لتحذيرات بشير الجميل العام 1980، فقد كان أول من نبّه اللبنانيين من الخطر الإيراني المقبل على المنطقة ولبنان، وبعد اغتياله بعام في خريف العام 1983 كان انفجار مقر قوات المارينز والوحدات المظلية الفرنسية الدليل الدامي على مخاوف بشير الجميل المبكّرة جداً، ولكن الـ «لو» لا تجدي نفعاً فلا ثمرة لها إلا «يا ليت»!!
كمواطنة لبنانيّة عاشت تجربة بشير الجميّل من المنطقة الغربيّة، أقول: «عندما بدأت الحرب اللبنانية كان لي من العمر عشر سنوات، اليوم أنا في الخمسين من عمري، راقبت كلّ فرقاء الحرب اللبنانية ومتاجرتهم بالشعب اللبناني ونقلهم البندقيّة من كتفِ جمال عبدالناصر إلى كتف أبو عمّار، إلى كتف الأسديْن الأب والإبن، إلى الكتفِ الإيراني الآن، ولاحقاً إلى أي كتفٍ ستكون له الغلبة، وحدها «مقاومة» بشير الجميّل المتمثّلة بالقوات اللبنانية لم تغيّر خطابها ولا بوصلتها ولا مسلّماتها، من بشير إلى سمير، لقد رفضت كلّ من ساوم على قضية لبنان ولفظتْ كلّ من نقّلَ بندقيته من كتفٍ إلى كتف بحسب مصالحه الشخصيّة… هذه هي «المقاومة اللبنانية الشرعيّة» وما تبقّى هو ادّعاءات «المقاومة» مهما تغيّرت أسماؤها وهي ليست أكثر من «أجندات» و»عمالة» لمحاور خارجيّة!!
في العام 1992 وفي ذكرى اغتيال بشير الجميّل العاشرة نشرت جريدة النهار نصّ خطاب القسم الذي لم يُتح لبشير الجميل أن يتلوه على مسمع اللبنانيين .. اليوم وبعد خمسة وثلاثين عاماً كنا نتمنّى لو أعيد نشر هذا الخطاب لنكتشف أن الرئيس بشير الجميّل كان ينظر إلى الواقع اللبناني بـ»عيني صقر».. وخطاب قسمه هذا «أقترح» أن يضم كوثيقة تاريخيّة إلى كتب التربية والتنشئة الوطنية، لأنه يعلّم اللبنانيين «المواطنة» والولاء للبنان، فكثيرون منهم تنقصهم هذه التنشئة والتربية.. ولأن خطاب قسمه هذا دليل صارخ على أن مصيبة لبنان كانت دائماً في ارتهان قسم من شعبه للآخرين، كان بشير يستشرف أن قادم الأيام سيحمل كل هذا الارتهان للخارج، وفي قسمه هكذا تصوّر بشير الجميّل لبنان ودولته ورئيسها وشعبها ومؤسساتها الدستورية:
«لا أقسم اليمين الدستوريّة أمامكم لتكونوا شهوداً فحسب، بل شركاء انتخبتموني، ساعدوني. وإذا قضى النظام الديموقراطي البرلماني بأن يُؤدّى القسم عبر مجلس النواب، من دون سواه، فلكي يُلزمه قبل سواه مساعدة رئيس الدولة في اشتراع وإقرار كل ما يؤول إلى تنفيذ القسم القاضي باحترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها، وحفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه. لكن لا الدستور مصان، ولا القوانين مطبقة، لا الاستقلال كامل، ولا الأرض محررة، لا الوطن سيّد، ولا الأمّة موحدة، إنّ قسمي على روح غائب»… ما الذي تغيّر اليوم؟ ما زال القسم على روح غائب، وإن حضر الذين يقسمون بأبدانهم وأرواحهم، فنفوسهم عاجزة عن أن تكون بهمّة بشير وجرأته..