كأنه اليوم، كان ذلك عام 1975 عندما دعيت الى حضور مؤتمر الوفاق الوطني في مقر المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية، الذي دعا إليه الإمام موسى الصدر وجمع فيه رجالات الدين من المذاهب كلها، وكثيرين من رجالات السياسة أيضاً من سائر الأطراف، أي من الموالاة الى المعارضة… لم يترك سياسياً واحداً أو رجل دين واحداً إلاّ دعاه للمشاركة في هذا المؤتمر الذي كان عنوانه: علينا أن نتفق مع بعضنا البعض وإلاّ فإنّ هناك مؤامرة على لبنان كله وعلى اللبنانيين جميعاً، فإسرائيل لن تتركنا نرتاح خصوصاً بعد «اتفاق القاهرة» عام 1969 الذي أعطى الفلسطينيين حق حمل السلاح والدفاع عن المخيمات الفلسطينية هذا أولاً…
وأعطاهم منطقة سمّيَت في ما بعد بــ»فتح لند» في جنوب لبنان وتحديداً على الحدود مع العدو الاسرائيلي في فلسطين المحتلة أي في منطقة العرقوب ثانياً.
وثالثاً، السماح للفلسطينيين بالقيام بعمليات عسكرية فدائية ضد العدو الاسرائيلي لإجبار إسرائيل على قبول عودة اللاجئين الفلسطينيين.
ولكن الرياح جرت عكس ما تشتهي السفن، وهكذا كان الفلسطينيون يقومون بعملية فدائية داخل فلسطين فتأتي الطائرات العسكرية الاسرائيلية لتقصف المناطق التي فيها قواعدهم… ولكن هذا مجرّد ادعاء لأنها كانت تضرب شمالاً ويميناً انتقاماً ولمعاقبة اللبنانيين على تعاطفهم مع الفلسطينيين، وهكذا كان لا يمر يوم بدون عمليات إسرائيلية ضد لبنان.
وكان الاحتلال الأول عام 1978 وإقامة دويلة سعد حداد في جنوب لبنان ودفع الفلسطينيين مسافة 50 كيلومتراً بعيداً عن فلسطين المحتلة… وعلى الرغم من أنّ الفدائيين الفلسطينيين أصبح هدفهم كيف يحكمون لبنان (كما قال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات لدى عودته الى رام الله في الضفة الغربية) وكما كان يقول أبو أياد إنّ «الطريق الى فلسطين تمر في جونيه»… الى أن كان الاحتلال الاسرائيلي للبنان ودخول العدو أوّل عاصمة عربية بعد حصار دام 100 يوم تم بعدها إخراج الفلسطينيين من لبنان.
وكما ذكرت في بداية المقالة إنّ التاريخ يعيد نفسه والمؤامرة على لبنان مستمرة من العدو الاسرائيلي، والتفكك والشرذمة والاختلاف في وجهات النظر بين اللبنانيين على أشدّه، وهذا ما حذر منه دولة الرئيس نبيه بري أمس في خطابه في ذكرى تغييب سماحة الإمام السيّد موسى الصدر ورفيقيه.
شعرت وأنا أستمع الى خطابه وتحذيره من المؤامرة على لبنان أنّ دولته التي هو في الوقت ذاته رئيس حركة «أمل»، حركة المحرومين، التي أسّسها الإمام موسى الصدر، بأنّ دولته يكمل المشوار… وما قاله في صور هو ما قيل في الحازمية في مقر المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى عام 1975.
سبحان الله… دولته حيكمل المشوار إنطلاقاً من إيمانه بخط سماحة الإمام المغيّب الذي تفهّم لبنان على حقيقته وقبله كما هو بلداً لأبنائه جميعاً في المساواة.
شدّد دولته أمس على الحلول وركّز على حتمية الانتخابات الرئاسية، وكرّر موقفه الدائم الداعم للوحدة الوطنية.
لقد بدا الرئيس بري، أمس، كعادته أبداً، حاملاً الأمانة التي تركها الإمام المؤسّس المغيب، بأكثر ما يكون الإلتزام والصدق والوفاء.