الجيش منهك. منذ عام 2005 وهو في الطرقات من الجنوب إلى الشمال فالبقاع وبيروت. أنهك السياسيون الجيش بسبب خلافاتهم ذات الامتداد الإقليمي، واتهم جيش لبنان بالانحياز ما حمل النائب وليد جنبلاط على مطالبة السياسيين بصون الجيش من الخلافات الداخلية و(الإقليمية). ومن أجل دعم المؤسسة العسكرية طالب الوزير السابق للداخلية العميد مروان شربل بالأمن المحلي الرسمي، وأيّده في ذلك خلَفَه الوزير نهاد المشنوق.
يتطلّب الأمن المحلي الرسمي من البلديات التي تنتشر في كل لبنان ويزيد عددها على الألف، أن يشكّل كل منها حرساً يحمي الأهالي من أي تعدٍ عليهم أو إخلال بالأمن. إن قيام أمن محلي رسمي، إلى دعمه الجيش الوطني، يمنع في المستقبل قيام ميليشيات محلية تدّعي حماية الأهالي، لكنها تبغي بالفعل السلطة والهيمنة.
[ [ [
يُحكى كثيراً عن مؤتمر وطني في حال استمرار الشلل الشامل في الدولة. ويُحكى أن الهدف منه تغيير اتفاق الطائف وفرض المثالثة وإعادة صلاحيات رئاسة الجمهورية وغير ذلك ممّا يتناقض مع دستور الطائف.
في الحقيقة لبنان في حاجة إلى مؤتمر وطني يهدف إلى تجديد الطائف وتفعيله كاملاً. أتى اتفاق الطائف ليوقف حرباً مسيحية ـ إسلامية ويضع صيغ معالجة هذا الخلاف الذي تقزّم بفعل الصراع السني ـ الشيعي ذي الامتداد الإقليمي. لذلك، فإن أزمة الحكم في لبنان وشلل المؤسسات تستلزمان مؤتمراً وطنياً يوطّد الطائف، ويحقق الاستقرارين الأمني والسياسي اللذين افتقدهما لبنان منذ انتهاء المرحلة السورية وبدء اللبنانيين تطبيقهم الطائف في عام 2005. إن استمرار تجاهل نواقص اتفاق الطائف والحاجة إلى تجديده بعد ربع قرن عليه، قد يوصلنا إلى ما «يحكى» في الصالونات. لا يستطيع لبنان الاستمرار في الشلل والفراغ، وأن رفض مؤتمر وطني لتثبيت الطائف قد يأخذنا إلى المجهول.
[ [ [
يزور كثيرون من اللبنانيين عواصم الغرب والشرق ويلتقون مسؤولين حاليين وسابقين ومفكّرين وصحافيين مهمّين وهامشيين. عندما يعود هؤلاء إلى لبنان يتبارون في الحديث عمّا قاله كل منهم إلى مَن اجتمع به، ونادراً ما يرددون ما قاله الذين اجتمعوا معهم. إذا أخبروا مرة ما سمعوه، يكون الحديث في معظم الأحيان هامشياً أو يلائم اقتناعاتهم.
يتصرّف البعض من اللبنانيين كأن العالم والمسؤولين عن لبنان والمنطقة، خاصة في الدول الكبيرة، لا ينامون الليل وهم يفكّرون أو يتآمرون على بلدهم ومستقبله، وأن لدى الدول خططاً وتصاميم لرسم مستقبلهم، ومن ثم ما يقولونه لهؤلاء المسؤولين يهدف إلى التأثير على خططهم وتصاميمهم.
ولأن اللبنانيين يزورون في كثير من الأحيان الولايات المتحدة الأميركية فمن المهم أن يدرك زائر واشنطن أن الأميركيين يعتبرون اللبنانيين أولاً وآخراً مسؤولين عن مصيرهم. من المهم، كذلك، إدراكهم أن ليس لمعظم الأميركيين عقل تآمري وأن مواقفهم في معظم الأحيان رد فعل على حدث، أكثر من كونها صناعة حدث. إضافة إلى كل ذلك، فإن القرار الأميركي يتخذ في الاجتماعات المكثفة والتشاور في ما بين كل المسؤولين، ويعكس المصلحة الأميركية. لذلك فإن ما يقولونه لك أهم ممّا تقوله لهم. ومعرفة لبنان الرسمي بما يدور في كواليس واشنطن يساعده على اتخاذ السياسة المناسبة، إذا أمكن اتخاذ القرار في لبنان.
[ [ [
منذ سنوات والنقاش يدور حول سلسلة الرتب والرواتب، وينقسم النواب حول هذا الموضوع. منهم مَن يريد إقرار مطالب المعلمين أياً يكن الثمن، وآخرون يبرّرون الرفض برغم إقرارهم بأحقية المطالب بأن إقرارها سيهدم ما تبقى من الاقتصاد الوطني. لكن يبدو أن النواب قد يتفقون قريباً على تسوية ما.
المهم في الموضوع أن الضغوط المختلفة على النواب ورئيسهم قد تنجح في مساواة القطاعين الخاص والعام في التشريع، ما يتناقض مع الأنظمة الديموقراطية حول العالم.
في الدول الديموقراطية تشرّع الدولة الحد الأدنى للأجور والمعدل السنوي للأسعار وارتفاعها، وتترك للقطاع الخاص تحديد أجور موظفيه وعماله من خلال اتفاقات مع نقاباتهم وجمعياتهم. لذلك من المستحسن أن يقرّر مجلس النواب، عندما يقرّ السلسلة الجديدة للرتب والرواتب، ألا يتدخل النواب والوزراء في المستقبل ولا يشرّعوا للقطاع الخاص باستثناء المؤشرات المنوّه عنها آنفاً.