أقلع العهد الجديد بزخم وثقة خلال المائة يوم الأولى باقرار مشروعات استراتيجية مثل النفط على الصعيد الانمائي، والتعيينات على الصعيد الاداري، وغير ذلك، بعد نجاحه بتشكيل حكومة اعادة الثقة برئاسة الرئيس سعد الحريري. وقبل نهاية الشهر الرابع على بزوغ العهد، اكفهرت الأجواء فجأة، وتلاطمت الأمواج الهادرة، وهبّت العواصف من كل حدب وصوب، مع وصول المسيرة الى عقبة قانون الانتخاب والعقبة لغة هي المرقى الصعب في الجبل، وجرّ وراءه عقبات أخرى منها الموازنة العامة بعد غياب طويل، وسلسلة الرتب والرواتب ومسلسل الضرائب، وعصفت زوابع الفساد في البلد، وهو تاريخ يعود في القدم الى بزوغ فجر الاستقلال وأيام السلطان سليم اللبناني!
بدا العهد في شهره الرابع محاصرا بالأزمات العاصفة على حين غرة! وهذا الواقع يدعو الى التأمل فيه بعمق. وهو اما أن يكون ناجما عن دعسة ناقصة قام بها العهد، واما أن يكون نتاج قطبة خفيّة من خصومه، والظاهر منهم هو أقل بكثير من هم في الخفاء! ولأن هذا العهد ولد تحت نجم الاصلاح والتغيير، فمن الطبيعي ان يستفز الأعداء من الفاسدين الذين كانوا بمثابة الطائفة التاسعة عشرة في لبنان، ومن مزاياها انها كانت خارقة للطوائف في كل العهود، وضمّت في عدادها أطيافا من مختلف المذاهب، ولكن بدلا من أن تتوحّد تحت عنوان المواطنة، توحّدت تحت عنوان الفساد!
أول خطوة في طريق الاصلاح الطويل – طريق الألف ميل – تبدأ من قانون الانتخاب. ومع قانون يحقق عدالة التمثيل مع نظام النسبية الكاملة، يبدأ الاصلاح الحقيقي، ومع قانون ملغوم مثل الستين يبدأ الفساد! ولو كانت الطبقة السياسية مشت بتنفيذ دستور الطائف منذ البداية، وأنشأت الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية وانتخبت مجلسا نيابيا على أساس قانون منصف خارج القيد الطائفي، وأنشأت مجلسا للشيوخ بالتزامن معه، لما كنّا وصلنا الى ما نحن فيه اليوم. ذلك ان فساد التمثيل قاد الى الفساد الاداري والفساد العام، والى توقف اصدار الموازنة العامة للدولة، والى سرقة حقوق الموظفين والمواطنين، والى نشوب حرب سلسلة الرتب والرواتب، التي أنتجت حرب الضرائب!
عندما لا تستمع الطبقة السياسية الى حكمائها، فانها تشرّع الأبواب أمام سفهائها! وفي هذه الأجواء المصطنعة من الضياع السياسي، كان لا بد من العودة الى تصويب المسار بالعودة الى أساس المشكلة، وهو غياب القانون الانتخابي العادل. وجريا على العادة، هذا يفعله الرئيس نبيه بري اليوم… وعندما تشتبك مكونات الوطن في ما بينها ويلوح جنون الصدام في الأفق، يبتكر لها الأستاذ صيغة طاولة الحوار، فينفّس الأجواء المحتقنة بالتوتر والصدور المحتقنة بالأحقاد! وعندما تضيع البوصلة في دوامة الموازنة والسلسلة والفساد، يعيد الأستاذ إبرة البوصلة الى الاتجاه الصحيح…
… الى قانون الانتخاب المنصف، ومن هنا يبدأ الاصلاح!