في الماضي البعيد سأل الشاعر قسطنطين كفانيس: ماذا يحدث لنا من دون البرابرة؟ انهم نوع من الحل. واليوم وغدا سيجد كثيرون أنفسهم يسألون: ماذا نفعل من دون داعش؟ انه نوع من الأزمة في خدمة حلول متعددة وأهداف متناقضة. فليس أكثر من القوى التي تحارب داعش سوى القوى التي ساهمت في صنع داعش. وفي الحالين رهانات أطراف عدة على كوابيس لتحقيق أحلام بعضها كوابيس. المساهمة في صنع داعش كانت خيارا محسوبا لدى قوى، ونتيجة خيارات غير محسوبة لدى قوى اخرى. ومحاربة داعش كانت قرارا في عواصم واضطرارا في عواصم اخرى.
والمشهد ناطق. محادثات استانة الأمنية صارت مسارا يحقق نتائج عملية، خلافا لمحادثات جنيف السياسية التي تراوح مكانها مع انها مسار متفق عليه دوليا. نتائج استانة كانت نجاحا للروس بالاتفاق مع ايران وتركيا والتفاهم مع اميركا وحضور النظام والمعارضة في تكريس ٤ مناطق خفض التصعيد هي نوع من ربط نزاع من أجل تركيز الجهود على محاربة داعش والنصرة. واللانتائج في جنيف كانت تعبيرا عن سياسة الهرب من الاعتراف بالأزمة التي قادت الى النزاع وبالتالي من ايجاد الحل السياسي، واحيانا عن تزوير الصورة الحقيقية للنزاع.
وكل شيء يوحي ان قرار القضاء على دولة الخلافة الداعشية جاء بعدما انتهت وظيفة داعش. فما بدأ في الرمادي والموصل وتلعفر في العراق بدعم أميركي، رافقه وتلاه تقدم النظام في بادية حمص وريف حماه الشمالي ودير الزور بدعم روسي وتقدم قوات سوريا الديموقراطية في الرقة ومحيط دير الزور على الضفة الشرقية للفرات بدعم أميركي. والانتصار الجغرافي يقترب من الاكتمال.
والبارز، على الرغم من معرفة الجميع ان الحرب على الارهاب قصة طويلة جدا، هو الاستعجال في اعلان الانتصار على داعش. لكن موسكو ليست مستعجلة مثل دمشق وطهران وبيروت وحزب الله، أقله في الخطاب الرسمي. وواشنطن ليست مستعجلة مثل بغداد والحشد الشعبي والكرد. والسبب هو اختلاف الحسابات الجيوسياسية بين القوى سواء كانت متحالفة أو متصارعة في المرحلة الانتقالية من توظيف وجود داعش وسلوكه المتوحش وعملياته الارهابية الى توظيف الانتصار على دولة الخلافة الداعشية.
ذلك ان وجود داعش أضرّ بالعراق وسوريا ولبنان وهدّد الأمن في المنطقة والعالم. لكن قوى محلية واقليمية ودولية حققت أهدافا لها من توظيفه. والفارق كبير جدا بين توظيف الانتصار علي داعش في استعادة السيادة والبناء الوطني الديمقراطي الى جانب اعادة الاعمار ضمن عملية سياسية حقيقية وبين توظيفه في خدمة محاور ومشاريع امبراطورية وأنظمة استبدادية.