مرة جديدة إنها معركة العماد ميشال عون وإن كانت هذه المرة من صندوقة بلدية. «التيار الحر» نزل بـ «ثقله». «القوات» أبقت على شعرة معاوية مع الجميع. «الكتائب» اتخذت موقفاً تصفه بـ «الانتفاضة» ضد من يريدون تحويل جونيه «ملعباً رئاسياً». منصور البون يكرر عبارة «المحبة» في كل تصريحاته، على قلتها. فريد هيكل الخازن «المطلوب رأسه» في غوسطا من قبل «القوات» والعونيين، يسعى للعودة من بوابة جونيه الى «حراسة هيكل البرلمان». وتحتشد في «أجندة» نعمت أفرام استحقاقات عدة تبدأ كلها من جونيه.
قرعت طبول المعركة في الإعلام واللافتات والأغاني والأناشيد وكل «الأسلحة» الانتخابية والحماسية. لكل هذه المكونات أذرعة في غالبية قرى كسروان الـ53، ولو أن الأنظار شخصت بشكل أساس الى جونيه التي ارتسم المشهد الانتخابي فيها على شكل لائحتين ومرشح:
لائحة «كرامة جونيه» برئاسة جوان حبيش الساعي أولاً وأخيراً الى رفع ما قد يعتبرها مظلومية تبدت ضده في انتخابات عام 2010 حيث اصطف الجميع ضده، على شاكلة ما حصل مع ميريام سكاف في زحلة، وبرغم ذلك فاز بمفرده بأكثر 40 في المئة من الأصوات فيعود ويترشح هذه المرة بدعم من «التيار الحر» و «الكتائب» وحزبي «الوعد» و «الاحرار».
لائحة «التجدد – مسيرة عطاء» برئاسة فؤاد البواري المحسوب على البون من ضمن ائتلاف يضم البون ونعمت افرام وفريد هيكل الخازن و «القوات».
مرشح منفرد هو جلال خوري من حركة «مواطنون ومواطنات في دولة». هذه الحركة التي تختصر مشاركتها في كل لبنان بعبارة مختصرة على لسان الوزير السابق شربل نحاس: «سقفنا ليس الفوز بمقعد في مجلس بلدي بل نريد أن نحث الناس على ألا يكونوا أسرى العائلات والتيارات وغيرها فالمشكلة واحدة في جونيه وبيروت وكل لبنان وعلينا أن نخرج من عزلتنا لتكسير قلاع الاهتراء الذي يقبع فيه البلد».
تم تضخيم المعركة في جونيه، عاصمة كسروان التي تضم نحو 17 ألف صوت، لتنتفخ الى درجة أن يتوجه «جنرال الرابية» الى مقر ماكينة لائحة «كرامة جونيه» لشدّ العصب عشية الاستحقاق. لعون لغته الخاصة مع محازبيه. حضوره الشخصي يعني أننا أمام مسألة «حياة أو موت… برتقالي». خسارة «التيار» في جونيه تحديداً تعني تحقيق خصوم عون حلمهم القديم الجديد منذ تسونامي 2005 بانتزاعهم منه صفة «ممثل المسيحيين الأول». أما فوزه فيها وفي معظم بلدات كسروان، فمن شأنه أن يرسخ هذه الزعامة في الدرب نحو بعبداً.
لذلك، ثمة من يأخذ على عون مبالغته في جر المشهد في جونيه نحو «تسييس لا مبرر له». فيرد العونيون أن «قراراً سياسياً اتخذ من الخارج وفُرض على مكونات لائحة «التجدد» لكسر العماد عون في استكمال للمبادرة الرئاسية التي تمثلت بتبني زعيم تيار المستقبل سعد الحريري ترشح النائب سليمان فرنجية الى الرئاسة». «فضلا عن المال الانتخابي، على ذمة المصادر نفسها، الذي وضعه المتمول جيلبير شاغوري بتصرف لائحة «التجدد» ودخول ماكينة «المستقبل» على خط التنسيق معها للبحث عن المزيد من أحصنة طروادة لحشرهم في لائحة محشوة بمكونات متناقضة».
من هنا تكتسب الانتخابات في جونيه صفة «المعركة الأم» في جبل لبنان، خصوصاً أن ارتسام المشهد يشي بأن المعركة لا تهدف الى هزيمة جوان حبيش بقدر ما تهدف الى تقليص حجم الزعامة العونية المسيحية.
وبينما تؤكد مكونات لائحة «التجدد» أن «القوات» تدعمها، انتصب علم «القوات» على طول المبنى حيث الماكينة الانتخابية للائحة «الكرامة» في ساحل علما مسقط رأس جوان حبيش. وفي غياب أي بيان رسمي «قواتي»، بدت «القوات» وكأنها لا تريد ان تدخل في مواجهة حادة مع «التيار» في ظل التفاهم الأشمل بينهما على صعيد لبنان وفي الوقت نفسه لم تتمكن من التخلي عن «صداقة قديمة ومتينة» مع آل افرام فبقيت تسير على طرف شعرة معاوية بين الطرفين وتركت حرية الانتخاب لمقترعيها على قاعدة «مع الفائز.. أياً يكن».
زد على ذلك أن الأرقام بينت ان حجم التصويت الكتائبي في جونيه يفوق بكثير التصويت القواتي، اذ تملك «الكتائب» على ذمة إحدى الماكينات نحو 900 صوت (قوة تجييرية). خطاب كل من نائب رئيس «التيار الحر» نيكولا صحناوي ونائب رئيس «الكتائب» سليم الصائغ، يكاد يكون واحداً خلال جولاتهما على حارات جونيه الأربع (صربا وغدير وحارة صخر وساحل علما). وكان لافتاً للانتباه مبادرة الصايغ للرد على من يعيبون على عون زيارته المنطقة عشية الانتخابات، حيث قال ان العماد عون زعيم مسيحي «وهذا لا علاقة له بموضوع الرئاسة، فللرئاسة حساباتها في غير ملعب جونيه، وكرسي بعبدا لا يمر في جونيه ولذلك نقول لهم ارفعوا أيديكم عن جونيه».
على هامش الأحزاب، ثمة حسابات خاصة بالعائلات. الخلاف التاريخي بين الخازن والبون لم يمنع تلاقي الرجلين ضمن لائحة «التجدد» مع افرام. لكن ذلك لم يمنع الحذر المتبادل أيضاً. يغمز الخازن من قناة غريمه ويصرح بأنه يعوّل على أصوات غدير (مسقط رأس البون) لفوز اللائحة كاملة. يمكن ان يتقاطع هذا الموقف مع معلومات سربها «التيار الحر» ومفادها ان «البون بادر الى الاتصال مع الخط العوني لفتح باب التفاوض على النيابة بعد 10 أشهر لكنه قوبل بالرفض»، مع العلم ان البون قد يكون الرابح في كل الأحوال لأنه يستند الى قاعدة خدماتية مع مناصريه وفوز «لائحة التجدد» يعني فوزه تحديداً لأن رئيس اللائحة فؤاد البواري محسوب عليه بعدما اسندت نيابة الرئاسة الى فادي فياض المدعوم من أفرام.
على جبهة أخرى، يتم الحديث من قبل خصوم نعمت أفرام أن «طموحاته السياسية جامحة وقد يكون هذا حق مشروع ولكن مسار الامور الشرس أفضى الى ان لا يحظى بالتوافق التام من العائلة ككل التي تفضل الغالبية فيها البقاء على هامش الصراعات السياسية والاكتفاء بالعمل الإنمائي بعيداً من السياسة». ويذهب هؤلاء في التحليل بأن «المعركة الفعلية هي بين أفرام وشامل روكز الذي يعده نعمت منافساً شرساً له سواء على المقعد النيابي أو الرئاسي»!
بطبيعة الحال افرام ينفي كل ذلك ويشدد مراراً على ان «جونيه هي الأساس في كل طموحاتنا ومشاريعنا».
غداً..معركة الاتحاد
الى وسط وأعالي كسروان، هدوء لا ينفي المعارك المتواضعة على قياس العائلات التي تختبئ في جلبابها الأحزاب والتيارات. المشترك في كل كسروان كثافة الاقتراع (رقم قياسي في جبل لبنان).
غوسطا التي يتجاوز عدد الناخبين فيها الألفين، تقف المعركة فيها «على المنخار» بين لائحة «كلنا غوسطا» المدعومة من «التيار الحر» و»القوات» مقابل لائحة «غوسطا قزيلي». في الاستحقاق السابق شطب القوات والعونيون أنفسهم.. اما هذه المرة فقد التزموا بـ «تفاهم معراب».
عجقة ناخبين في جعيتا حيث لم تفلح مساعي الوزير السابق زياد بارود في إخراج لائحة توافقية، فكانت منافسة بين خليط سياسي وعائلي. الأرجحية في فيطرون لمن يدعمه «التيار الحر». أما فاريا، فتقدم نموذجاً طريفاً عن «اتفاق معراب» حيث تتنافس لائحتان تضمان ممثلين عن «القوات» و «التيار».
في حراجل، لم يمنع تنافس ثلاث لوائح من مرور اليوم الانتخابي بهدوء. الكلمة الفصل هنا للعائلات والأصح لـ «حزب حراجل». فالأحزاب عندما تشعر بأنها عاجزة عن الحسم تخلي الساحة لـ «الأهلية بمحلية» وهي القاعدة التي سارت عليها مختلف البلدات في الفتوح من البوار الى العقيبة وغزير ويحشوش والكفور والغينة…
الاثنين يوم آخر لكن ثمة معركة آتية حول من يترأس اتحاد بلديات كسروان. كل العيون شاخصة عليه من «زعماء» جونيه الى بقية قرى القضاء وعلى أساس نتائج صناديق أمس ترتسم معالم الاتحاد غداً.