مرت عشر سنوات على حرب تموز (يوليو) 2006. خلال هذه الأعوام، حصلت تطورات كثيرة لعل أبرزها انخراط المقاومة وحزب الله تحديداً، في الحرب السورية. عشر حقائق يجب تسجيلها تشير الى انحراف بوصلة المقاومة الى غير الأهداف التي قامت من أجلها.
الحقيقة الأولى، أن حرب تموز كانت فعلين متوازيين: حرب أميركية – إسرائيلية ضد سورية وإيران، وحرب إيرانية – سورية ضد إسرائيل. أي لم تكن فعلاً ورد فعل. الأطراف جميعها استخدمت الأرض اللبنانية لتصفية الحسابات، و استُخدم حزب الله في خوض الحرب.
الحقيقة الثانية، أن المقاومة وحزب الله خاضا معارك بطولية في وجه العدو الإسرائيلي، بما كبده خسائر لم يتكبدها في حروبه العربية. وهذه صفحات مجيدة ومضيئة في تلك الحرب، من حق اللبنانيين والعرب الفخر بها.
الحقيقة الثالثة، إعلان حزب الله أنه حقق نصراً إلهيا في تلك الحرب، وهو إعلان بعيد من الحقيقة أولاً، ويهدف الى منع النقاش في الأسباب التي جعلت الحزب يتورط في الحرب ويشكل أداة لسورية وإيران. هدف الحزب من»الإلهية» في النصر منع المحاسبة وشد عصب البيئة التي ينتمي إليها لتخفيف آلام الخسائر.
الحقيقة الرابعة، أن لبنان، ومعه المقاومة، أصيبا بهزيمة كبرى في هذه الحرب. إذا كان الانتصار في تكبيد خسائر للداخل الإسرائيلي، إلا أن واقع الهزيمة تجلّى في حجم الخسائر اللبنانية، حيث سقط حوالى ألف وخمسماية قتيل، وحوالى عشرة آلاف جريح، وتدمير البنى التحتية اللبنانية، والحصار البحري والجوي والبري الذي فرض على البلد، وصولاً الى فرض قوات طوارئ دولية على الحدود وإجبار المقاومة على الانكفاء الى ما بعد حدود نهر الليطاني.
الحقيقة الخامسة، أن الحرب حققت معظم الأهداف الإسرائيلية، لعل أهمها إعادة المقاومة الى الداخل اللبناني وإغراقها في وحول الحرب الأهلية، بما يضفي عليها طابع المذهبية ويضعها في عداء مع مكونات المجتمع الأخرى. لا معنى لكلام حزب الله عن فشل إسرائيل في إنهاء المقاومة وتصفيتها، فهذه جزء أساسي من النسيج اللبناني، حيث يستحيل اقتلاعه ولو بعشرات ومئات الحروب.
الحقيقة السادسة، أن انحراف بوصلة المقاومة قد خطا خطوات كبيرة وسريعة في الغوص بالحرب الأهلية اللبنانية، وتحوّله طرفاً أساسياً في مسارها، ومن موقع طائفي – مذهبي، ترك أثراً سلبياً في موقعها. هذا الانخراط وجد ترجمته في التعطيل المتمادي لمؤسسات البلد، وفي تنفيذ اجتياح بيروت عام 2008، الذي حسم في معاداة أقسام واسعة من الشعب اللبناني ضد المقاومة.
الحقيقة السابعة، أن وظيفة سلاح المقاومة بعد تلك الحرب باتت داخلية تهدف الى تعديل موازين القوى المحلية، وتفرض شروطاً على مسار البلد وأزماته. بات السلاح أداة الهيمنة الفئوية المذهبية للحزب على الوضع اللبناني بمجمله.
الحقيقة الثامنة، أن انحراف البوصلة سيجد ترجمته الكبرى في انخراط الحزب في الحرب السورية، ومن مواقع مذهبية صافية عبّر الحزب عنها بوضوح. إضافة الى أن الحزب ذهب ليدافع عن أعتى نظام ديكتاتوري في العالم العربي، وهو المسؤول الأول عن توليد الإرهاب خصوصاً تنظيم «داعش». هذه الحرب التي كانت أهدافها الإسرائيلية والأميركية جلية في ضرورة تدمير سورية، جيشاً ومجتمعاً وبنى… حتى لا تشكل في يوم من الأيام مصدر خطر على إسرائيل. وقد نجحت في ذلك، وساهم الحزب في هذه المهمة. والأسوأ، كان مشاركة المقاومة في الحرب الأهلية الدائرة في العراق واليمن، ومن موقع طائفي – مذهبي أيضاً.
الحقيقة التاسعة، أن التشدق بمحاربة المشروع الأميركي في المنطقة بات مملاً ويشكل استخفافاً بعقل الجماهير العربية. منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، كان المشروع الأميركي موظفاً في خدمة ما يدعى بمعسكر الممانعة. دخلت إيران الى العراق وهيمنت على مؤسسات البلاد على حاملة الدبابات الأميركية. وفي سورية، يخوض معسكر الممانعة حربه على ما يسمى بالإرهاب تحت العباءة الأميركية وبقيادة التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. ولم يكن في إمكان قوات النظام والميليشيات التابعة لإيران أن تحقق نصراً على الأرض من دون المساعدة الأميركية وحلفائها. أما الحليف الجديد المتمثل بروسيا، والذي أدخل ضمن معسكر الممانعة، فهذا الحليف الجديد لا يطيق وجوداً لميليشيات إيران ومنها حزب الله. ولم يعد خافياً الدور الذي لعبته روسيا في تصفية بعض قيادات المقاومة ومنها مصطفى بدر الدين.
الحقيقة العاشرة والأخيرة، أن هذا المسار للمقاومة يعمق خسارة موقعها الوطني الذي امتازت به لسنوات، والذي كان له الفضل الأساس في تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي. يدفع الحزب والطائفة التي ينتمي إليها أثماناً باهظة من الضحايا المجانية التي تسقط يومياً في سورية، خدمة لنظام الأسد وتنفيذاً لأوامر إيران. خسائر الحزب هي خسائر لبنانية وتعني جميع مكونات هذا المجتمع من دون استثناء. لا خلاص من هذا المستنقع إلا بالخروج من سورية.