Site icon IMLebanon

من كركوك إلى إدلب… والبحر

 

هو التاريخ ذاته، المراحل والمصالح والحرب ذاتها والنتائج والتفاصيل. هذا ما يمكن استنتاجه من ظروف محيطة بدعوات الاستقلال بعد الاستفتاء في كردستان العراق.

لا يتطلب الأمر كثيراً من البداهة لاستخلاص أن القضية لا تزال تدور في الحلقة المفرغة التي علقت فيها منذ أواسط القرن الماضي، أو لعلها دلائل على المقولة الشهيرة التي تحذر من توقع نتائج مختلفة لتكرار فعل الشيء ذاته، وهي التي يمكن استدراكها بنصيحة مفادها: «إذا كانت الوقائع لا تتناسب مع النظرية فعليك تغيير الوقائع» لا النظرية، طبعاً، مع صعوبة تغيير الوقائع في معظم الأحيان، واستحسان انتظار ظروف مناسبة لتغيرها تلقائياً.

لا تقاس أعمار الدول بالبشر، فهؤلاء لهم عهود محددة بأجيال، في حين أن ظروف الدول متعلقة بالجغرافيا. وإذا كانت هناك مآخذ موضوعية على ملابسات الاستفتاء الكردي، فطبيعي أن تكون حول توقيته ومدى صحة قرار شمل كركوك به في هذه المرحلة، بما للمدينة من خصوصية تعددية، جامعة للأعراق والانتماءات.

هذا لا يعني أن ثمة عذراً للتنظير وسوق مبررات، فتوقيت القرار قد يكون اتخذ في ضوء «أحقية» نابعة من تضحيات بذلت لردع إرهابيي «داعش» وردّ أذاهم الذي لم يُوفّر أحداً، الأمر الذي وحّد المواقف وأعطى أولوية لمكافحة خطرهم، لكن القلق الأساسي يتجسد في أن تكون الحماسة القومية قد طغت على القراءة المتأنية للآتي الأخطر على صعيد المنطقة، والذي قد يتصدر أولويات عواصم القرار المهتمة بمصالحها وتُقدمها على ما عداها من تطلعات بغض النظر عن أحقيتها، أو مطالب أياً كانت مشروعيتها.

في مكان غير بعيد جغرافياً ولا تختلف ظروفه السياسية كثيراً، لا تجد تركيا غضاضة في إدخال قواتها إلى الأراضي السورية تحت سمع سلاح الجو الروسي ونظره، في مهمة تتجاوز كل التناقضات، إلى استهداف تمدد الأكراد في إدلب. مهمة، قُدّم لها بالتشديد على «أهمية احتواء خطر وحدات حماية الشعب الكردية ومنعها من محاولة شن أي هجوم جديد يوسع نطاق سيطرتها إلى البحر المتوسط»، كما قال قيادي في فصيل محلي متحالف مع الأتراك، لم يتمالك أن يهلل بأنه «اليوم أصبح القول إن حلم الانفصاليين بالوصول إلى المنفذ البحري ودخول إدلب ومن ثم جسر الشغور وجبال الساحل أصبح حلم إبليس بالجنة». بديهي أن هذا القيادي يتحدث بلغة الأتراك عن الأكراد بإشارته إلى الانفصاليين، ويشير إلى مخاوف من اتساع طموحات دعاة الاستقلال إلى «كردستان الكبرى».

وبمعنى آخر بمنطق المصالح الجيو- استراتيجية، فالخط الأساسي الرابط بين كركوك والبحر المتوسط هو خط أنابيب كركوك- جيهان الأكبر من نوعه لتصدير النفط من الأراضي العراقية إلى الميناء التركي وبدأ تشغيله عام 1976. ولا يخلو الأمر من مدلولات أن هذا الخط يخترق مناطق كردستان ويراد تحويله عن مساره، على رغم انعكاسات سلبية لذلك على المشترين الأوروبيين.

تقدم القوات العراقية إلى كركوك خطر، والأخطر من ذلك أن يشارك فيه «الحشد الشعبي» الذي يعمل تحت إمرة القيادة العراقية بمباركة مرجعيته في النجف، ما يعطي جدية للتحذيرات من أخطار «حرب أهلية» في كركوك، في وقت لا تحتاج المنطقة إلى تصعيد مع بروز مخاوف أقرب ما تكون إلى مؤشرات لاحتكاك محتمل بين الإيرانيين والأميركيين الباحثين عن فرصة إضافية للشكوى من طهران و «طيشها» الإقليمي، وميلها إلى افتعال المواجهات وصولاً إلى تسويات. وبذلك يكون طغيان حدث على آخر، مقدمة لإبراز تحديات أكثر إلحاحاً كما كان الحال في الفوضى التي أحدثتها دولة «داعش» المزعومة.