IMLebanon

من لبنان الجريح إلى فارس السعوديَّة

لست في حاجة إلى مَنْ يحدّثني عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. وعن مآثره اللبنانيّة قديماً وحديثاً. وعن منزلة لبنان وبيروت لديه. أعرف جيداً وعميقاً كم يحب الملك سلمان هذا اللبنان اليتيم. وكم يريد له الخير والاستقرار والازدهار والعودة إلى ذلك الزمن الجميل. مثلما أعرف حق المعرفة كم استقبلت الرياض من ألوف اللبنانيّين خلال الحروب، وكم لا تزال تستقبل، بناءً على تعليمات دقيقة من العاهل السعودي…

مطلع الستينات، في عز الصراع مع “المكتب الثاني” أُدخلت سجن الرمل. مرَّ شهر. أربعون يوماً. خمسون. من غير أن يسمحوا لي أن أغادر غرفة البق والصراصير والقمل. ولا حتى سمحوا لمحام، أو نسيب، أو نقيب للصحافة أن يقابلني.

إلى أن كان مساء يوم جمعة. هدوء رطب وذباب. ويأس بحجم تنين. وغرغة وسخة. وثياب بلون الزفت. وصمت يضج بصوت فاقع كصوت الصنوج، يوحي بأن الموت آتٍ على مسافة فرسخ.

كنت أهمُّ أن أصرخ غاضباً شاتماً، حين فُتِحَ باب “مقصورتي” ودخل ضابط مع بعض المرافقين الذين يحملون ثياباً وأغراضاً، والى جانبهم حلاّق ورجل يحمل ليفة.

سلام فكلام، فحمّام ساخن، فمقصّ يتجوَّل في رأس مليء بأنواع الحشرات، إلى أن ارتديت الثياب وأصبحت جاهزاً لمهمّة أجهل نوعها أو وجهتها. للحال غادرنا السجن إلى سيارة سوداء، أجلسوني في مقعدها الخلفي، فيما تبعنا جيب محشو بالجنود. خلال لحظات سريعة بلغنا القصر الجمهوري. بالطريقة ذاتها والعجلة ذاتها نقلت إلى مكتب الرئيس شارل حلو الذي استقبلني بضحكة عريضة، وبنكتة أعرض: “اللّي بدّو يفوت عَ الحبوس بدون ما يخبّرني هيك بيعملوا فيه”.

في هذا الوقت كان المرافق قد حمل الهاتف الى الرئيس حلو هامساً: سمو الأمير سلمان على الخط. لحظات، وإذا بالرئيس يطلب منّي التحدُّث مع أمير الرياض “الذي لولاه لما كنت غادرت مقصورتك في قصر الرمل”. قبل أن أُكمل جملة الشكر والامتنان الكبير، كان سمو الأمير سلمان يحسمها: نكمل الحديث حين تصل إلى الرياض…

قبل حروب الآخرين، وخلالها، وبعدها، كانت المملكة العربيّة السعوديّة مشرَّعة للبنانيّين على اختلاف انتماءاتهم. لذا، حين تعتب الرياض على بيروت إنما من خيبة مؤذية لم تكن لتخطر يوماً في بال الرياض والملك سلمان والشعب السعودي الذي يحتفظ بقسط كبير من الود لهذا اللبنان المنكوب.

المسألة، إذاً، ليست مسألة أموالٍ، وهباتٍ، بقدر ما هي شعور الحبيب بغدر من حبيبه. أجل، يحق للرياض أن تعتب كثيراً، وأن تتألّم، وأن تعلن بلياقتها عدم توقعها مثل هذه الطعنة…

وَيْحكم أيها المتضرّرون، الآن هو زمن الفروسيّة، وليس مثل الملك سلمان بن عبد العزيز مَنْ يهبُّ ليلبّي صرخة صادرة عن حبيب قديم هو لبنان المقهور.