Site icon IMLebanon

من «تشريع الضرورة» إلى «تشكيل الضرورة»..روحية مؤتمر «سيدر»

 

في وقت تقاطعت فيه القوى السياسية في البرلمان، مرة جديدة، على اللجوء الى ما اصطلحت على تسميته «تشريع الضرورة»، وهو من هذه الناحية ضرورة تفرضها العراقيل التي تتسبّب بها بعض هذه القوى ولا تزال تحول دون تشكيل الحكومة، يفرض ملف التشكيل إلحاحه أكثر فأكثر.

 

أولاّ، لأن تشريع الضرورة وحده المتّصل بمقرّرات «سيدر»، لا يكفي للسير قُدُماً في هذه المقررات، ولا بد في أسرع وقت من تشكيل حكومة، وعدم حصول هذا الامر حتى الساعة، بات يفرض أكلافاً باهظة سواء على مستوى انتظام المؤسسات وتشغيل المرافق، أو على حركة الاسواق والاعمال، ولا شك ان الواقع الاقتصادي المالي لا يختزل في الاشاعات حوله، إلا ان الاشاعات المفرطة في السلبية، والمرتكزة على تصدعات هذا الوضع، تصبح أكثر تأثيراً بكثير في ظرف كهذا، كلما امتد.

 

وثانياً، لأنه آن الأوان، وما دامت الامور سلكت، نظرياً، مسلكها الدستوري، من تكليف، وصياغة تشكيلة، كي نعرف، بشكل واضح، ما الذي يحول دون ان يجد هذا المسلك النظري «السليم» سبيله العملي السليم ايضاً، اين العقدة، اين المشكلة بالتحديد، وكيف يجوز اصلاً الرزوح تحت مشكلة ممتدة شهراً وراء شهر هكذا، من دون إطلاق حركة ضاغطة وشاملة، من اجل الإسراع في التشكيل.

 

يأتي “تشريع الضرورة” بالتزامن مع سفر رئيس الجمهورية الى نيويورك وكلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة، وقد شدد فيها على ان «لبنان يتلمس طريقه للنهوض من الأزمات المتلاحقة التي عصفت به؛ أمنياً، تمكّن من تثبيت أمنه واستقراره بعد أن قضى على الإرهابيين؛ سياسياً، أجرى انتخاباته النيابية وفق قانون يعتمد النسبية؛ واقتصادياً وضعت الخطوط العريضة لخطة اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار مقررات مؤتمر سيدر». تلمس طريق النهوض من الازمات المتلاحقة، بالشكل الذي وصفه الرئيس، ومحدداً بشكل اساسي بتثبيت الامن والاستقرار والخطة الاقتصادية التي تأخذ بعين الاعتبار مقررات مؤتمر سيدر، يفترض اذاً الانطلاق من الإجماع حول هاتين النقطتين لحسم موضوع التشكيل. بمعنى آخر، لا يمكن ان تقوم الحكومة العتيدة «مع وضد» سيدر في وقت واحد. إما في سياق المتابعة في ضوء المتفق عليه في سيدر، وإما في سياق تقديم بدائل عن ذلك.

 

المشكلة الى حد كبير ان هناك قوى لا تزال، في هذا الموضوع تحديداً، تريد الشيء ونقيضه، سيدر ونقيضه، وهذا لا ينفع لاجل التشكيل. فإما تقوم حكومة الالتزام بالاصلاحات المقررة في سيدر، او حكومة لها وجهة اخرى، لان مقرّرات سيدر تنطلق اساساً من ان البلد امام منعطف هنا، واذا لا بد من قرار في هذا الشأن، معها، فليكن، ضدها، فليكن. النغمة التوافقية لا يمكن ان تتجسد حكومياً في الجمع بين سيدر ونقيضه. والمفارقة، انه ليس هناك بين القوى التي يتشكل منها البرلمان الحالي من هو مناقض فعلياً لمقررات سيدر، بل هناك اختلاف بين المتحمس لها، وبين المتململ الذي يريدها ولا يريدها في نفس الوقت. وهذه مشكلة من يفكرها هكذا، لا يجوز ان تصبح مشكلة البلد ككل.

 

ليس هناك في الظرف الحالي من منظومة دولية او اقليمية قادرة على لعب دور تسريعي لعملية التشكيل الحكومي في بلد كلبنان، والعالم كله يتخبط. العواصم المعنية بملف اللاجئين السوريين لا يزال يهمها الاستقرار اللبناني من هذه الزاوية بالتحديد، لكن ليس هناك افق لادوار مبادرة للضغط على الاطراف المحلية للاسراع في التشكيل. هذا بحد ذاته، «القصور التدخلي الخارجي» مدعاة للاعتبار داخلياً، من ان الامور لا بد ان تعامل بنفس همة «تشريع الضرورة» من خلال الاسرع الى «تشكيل الضرورة» في اسرع وقت، وفي ضوء حسم المسألة، مع سيدر، على ما أقرّه تشريع الضرورة ثم كلام الرئيس في نيويورك؟ اذا فلتتشكل الحكومة وفقا لاجندة عمل على هذا الاساس.