IMLebanon

من رفع النفايات الى اسقاط الحكومة

كأن الصرخة التي أطلقها الرئيس تمام سلام في مؤتمره الصحافي ظهر أمس، ذهبت في واد… ربما لأن بعض الجهات كانت تأمل ان تسمع منه ما يوحي بامكانية تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي قررها الخميس، الى موعد آخر، لا ان يؤكد على الجلسة في موعدها، وجدول الأعمال بذاته، وهذا ما أجج غضب الغاضبين، فكان التجييش لتظاهرة المساء، التي احتضنت ما هبّ ودبّ من الفئات والشعارات والمواقف، واذا حصة النفايات، التي انطلقت بسببها، الأقل شأناً والأكثر تواضعاً.

في المبدأ، التظاهر حراك شعبي يؤشر على التماهي مع الديمقراطية، وعلى حيوية الشعب الذي يلجأ اليه كوسيلة للتعبير عن تطلعاته ومطالبه.

لكن الخوف الدائم الذي يواكب التظاهرات الشعبية في معظم البلدان، هو من العناصر المشاركة، من غير الاتجاه أو المنحى، والذين يوصفون بالمندسين ممن بوسعهم حرف أي تظاهرة عن مسارها الأساسي، من دون أن تتمكن الجهات المنظمة من ضبط الأمور.

والدليل ان منظمي تظاهرة طلعت ريحتكم اتصلوا بالأجهزة الأمنية أمس وأبلغوا عن نحو ١٦ عنصراً مندساً، رصدوا وهم يحاولون التحرّش بقوى الأمن الداخلي، على نحو استفزازي، وكان جواب هذه القوى، ان إبعاد المندسين مسؤولية الجهة المنظمة، التي بذلت الكثير من الجهد لمتابعة هذه العناصر، محاولة كفّ شرّها عن المظاهرة.

انما المقلق في التظاهرات ليس فقط، بالاحتمالات الأمنية المفتوحة، انما في حقيقة بواعثها،حيث غالباً ما تنطلق التظاهرة بشعار لتصل بآخر بعيداً عنه كل البعد، وأشهر ما يستذكره الناس، التظاهرات السورية بمناسبة ذكرى وعد بلفور للصهيونيين بفلسطين، فقد كانت مقدمة التظاهرة تهتف بسقوط وعد بلفور، بينما يهتف من في المؤخّرة بسقوط واحد من فوق…

وفي التحرّك الشعبي الناجح الذي شهدته بيروت أمس خصوصا، كان العنوان أزمة النفايات والفساد السياسي الذي أغرق اللبنانيين فيها، لكن بمراجعة أشرطة التلفزة والاذاعات، تبيّن ان الاهتمام بالنفايات، كان آخر همّ الخطباء والهتّافين، فتحوّل المتظاهرون عن النفايات الى المطالبة باستقالة حكومة الرئيس تمام سلام. وكأن استقالته تحل مشكلة النفايات المالئة للشوارع، أو الكهرباء الغائبة عن الخطوط، أو الفساد المعشعش في مختلف مستويات السلطة، سياسية كانت أو ادارية.

ولا شك بأن من نادوا باستقالة الحكومة لا يدرون ماذا يقولون، أو انهم يكررون ما يقال لهم، فما الذي يحل ببلد لا رئيس جمهورية له، ولا مجلس نواب فاعل، عندما يصبح بلا حكومة، أو بحكومة تصريف أعمال؟

لتسقط الحكومة، هتاف امتلأت به الأفواه، قصداً أو عفواً، عن ادراك، أو عن قلة ادراك، أو ما يشبه من ينشر غصن شجرة وهو يقف عليه. لا شك بأن الهوان الذي بلغه حال اللبنانيين في زمن الشغور الرئاسي، لا سابقة له، وحتى تاريخه ما زال كل طرف يطرح الاسباب من زاوية مختلفة، تارة من قانون الانتخاب، وطوراً من طبيعة المجلس النيابي الحالي، والبعض فقط يضع اصبعه على الجرح، عبر ربطه الأزمة الرئاسية بالمصالح الاقليمية، وتحديداً بحاجة طهران الى ورقة الشغور الرئاسي، في غرفة المقاصة الدولية…

ولا شك ايضا بأنه ليس كل مطالب باسقاط الحكومة يرغب باضمحلال الدولة، أو جر البلد الى المؤتمر التأسيسي، بل غالبية هؤلاء المطلقة، بلغوا هذا الحد من القهر نتيجة اليأس من الطبقة السياسية الحاكمة، ومن فسادها الذي بلغ حد افساد حياة اللبنانيين بالنفايات وبانقطاع الكهرباء، وربما لهؤلاء توجه الدكتور سمير جعجع في مؤتمره الصحافي أمس، مطالباً اياهم بالبقاء حيث هم حتى نزول النواب الى البرلمان وانتخاب الرئيس، عندها تسقط الحكومة بطريقة ديمقراطية شرعية، وتنتج قانون انتخابات وبالتالي انتخابات نيابية، ويا دار ما دخلك شر.