لا تزال بلدة «مضايا» في ريف دمشق والمُحاصرة على يد النظام السوري و»حزب الله»، منذ عام ونصف العام تقريباً، تئن تحت وطأة الجوع والعطش والنقص في الدواء والغذاء، على الرغم من مرور أحد عشر شهراً على اتفاق الزبداني ـ الفوعة بين النظام و«حزب الله« من جهة، وبين الفصائل السورية المُسلحة من جهة أخرى، حيث قضى الاتفاق يومها، بإدخال المساعدات إلى «مضايا« المحاصرة، مقابل إخراج جرحى ومرضى من «الفوعة» و»كفريا»، لكن حتّى اليوم، لا تزال البلدة تخضع لكل أنواع القهر والجبروت من قبل الحزب على وجه التحديد، بعدما تكفّل مع وليّ أمره الإيراني خلال المفاوضات، بتولّي كيفية إخراج الأهالي.
الأوضاع المُزرية التي تعيشها «مضايا»، أصبحت تتطلب عناية دولية خاصة لا سيما بعد ظهور حالات خاصة لأكثر من ثلاثين طفلاً يعانون من أمراض متعددة بسبب نقص في المناعة لديهم نتيجة سوء التغذية وغياب العلاج اللازم. وقد بث أمس عدد من الناشطين، مقطع فيديو يظهر استخدام الكادر الطبي في «مضايا«، أضواء الهواتف المحمولة في محاولة منهم لإنقاذ الشاب «علي الدالاتي» الذي استشهد قنصاً برصاص «حزب الله« عند أطراف البلدة. وحالات القنص هذه تحوّلت إلى طبق رئيسي على مائدة «حزب الله» اليومية في «مضايا»، لكنه طبق مصنوع، من دماء الأهالي ودموع العجائز وصرخات الأطفال وأنينهم.
يستمر «حزب الله» في منع إدخال المساعدات الإنسانية والطبية وإخراج الحالات المستعصية من البلدة، فضلاً عن تفشي العديد من الأمراض المستعصية، التي تعجز الإمكانات الطبية المحدودة والموجودة لدى الكوادر الطبية فيها، عن توفير علاجات ملائمة لها. ومن هذه الحالات عيّنات صغيرة عبارة عن أطفال يفوق عددهم الخمسة عشر، صغار السن، يتلوون على فراشهم من شدة الوجع مصابون بأمراض أقلها خطورة، مرض «التهاب السحايا»، ما زالت تعجز الهيئات الإنسانية والصحية عن نقلهم إلى خارج البلدة لتلقي العلاج، بسبب قناصة «حزب الله» الذين يتصيّدون الرؤوس والأجساد بمجرد لمحها سواء بالعين المُجرّدة، أو من خلال مناظير بنادقهم المتطورة والتي تُستعمل عادة في حروب الجيوش الكبيرة، وليس في «عملية» حصار الأطفال والمرضى.
على الرغم من الحصار الذي بدأ يحصد أرواح الصغار والكبار في «مضايا»، إلّا أنّ «حزب الله» وشريكه في القتل النظام السوري، ما زالا يتعاملان مع الموضوع وكأنّه تفصيل ثانوي وجب تحويره أو التلاعب به وبالتالي تحويله من قضية عادلة إلى عنوان للمؤامرة على «المقاومة» يُمكن أن يصل إلى حد العمالة، ما يعني أن القتل في هذه الحالة، أصبح يندرج ضمن «التكليف الشرعي» وبالتالي يُصبح دور القناصة عديم الجدوى في حال لم توجّه فوهتها باتجاه القلب، أو الرأس.
ومن باب حرف الأنظار عن الجريمة التي يرتكبها «حزب الله» والنظام السوري بحق مدنيي «مضايا« من أطفال ونساء وشيوخ، أطل إعلام الحزب خلال اليومين المنصرمين على العالم بلعبة جديدة ابتكرتها قبله جيوش الظلم وأنظمة القمع والاستبداد، تُسمّى «الدروع البشرية«. يقول هذا الإعلام إن المسلحين في مضايا هم الذين يفرضون الحصار على المدنيين ويستعملونهم كدروع بشرية لقلب سير المعركة التي يُتحف الحزب جمهوره بها منذ عام تقريباً بأنها انتهت وأنه لم يتبقّ سوى بضعة كيلومترات وينتهي من «الإرهاب». لكن هذا الإرهاب الذي تُمارسه «الممانعة» في كل البقاع السوريّة، بالإضافة إلى محاولات التعمية على الحقائق والوقائع الميدانية من خلال بث الأضاليل وفبركة الأخبار وقلبها، كشفه العالم كله بالأمس، من خلال مقطع فيديو يُظهر طفلاً صغيراً يُدعى أحمد، وهو يُطالب من تحت الركام، بشربة ماء ويقول: «عطشان جيبولي ميه»، بعدما حوّلت طائرات السفاح بشار الأسد منزله، إلى مُجرّد ذكرى وقتلت والده ووالدته وشقيقته وجدّته.
غلوّ ومكابرة يُمارسهما «حزب الله» وإعلامه بحق بلدة بدأ سكانها يصطفّون بالطوابير استعداداً للموت. حزب يزرع الحقد بين جمهوره ويوهمه بقدسية حرب سوف تحصدهم رياحها في حال لم يقطفوا «ثمارها» عند أوّل فرصة، والثمار بالنسبة إلى هذا الحزب اليوم في «مضايا«، هي أجساد أطفال ينهش الجوع من لحمها الحيّ ويزرع فيها موتاً قبل أوانه. فمن إيلان إلى عمران ومروراً بطفل مجهول الاسم توعّد قبل مقتله بغارة على منزله، السيد حسن نصرالله وبشّأر الأسد بأنه «سيُخبر الله بكل شيء»، ووصولاً إلى أحمد ومن سيليه، هناك حكاية واحدة عنوانها: «أطفال سوريا سيُخبرون الله كل شيء«.