Site icon IMLebanon

من حقيبة ميشال أبو جودة

باطل الأباطيل كل شيء باطل وقبض ريح. لا جديد تحت شمس لبنان البلا رئيس جمهورية منذ أربعمئة وخمسة وأربعين يوماً، والذي احتل منذ فترة طويلة محل سوريا في مقعد مريض الشرق الأوسط بامتياز.

لقد سبق لسوريا، التي تعاني الأمرّين منذ ما يقارب الخمس سنوات، أن أدهشت العالم وصحافته بعدد الانقلابات العسكرية المتتالية والبلاغات الرقم واحد، والتي اختتمها انقلاب الرئيس حافظ الأسد تحت شعار “الحركة التصحيحيّة”.

من حيث يدري النظام أو لا يدري عادت سوريا لتحتل مقعدها القديم، وتتقدّم جميع الدول العربيّة التي ابتليت بالثورات وأناشيد الربيع العربي، بعدما ظنّ النظام وأهل النظام وأهل لبنان وأهل العراق وأهل اليمن ودول المنطقة أن الرجل المريض قد غادر المصحّ إلى ما يشبه الإقامة الجبريّة المفروضة، من دون إعلان، على سوريا بكاملها منذ عشرات السنين…

ما لنا ولسوريا، مسلسل الانقلابات، ثم مسلسل الحروب والثورات الطاحنة التي حوّلت هذا البلد العريق في التاريخ والجغرافيا. فما أعادني إلى الموضوع السوري وأمراضه المتعدّدة، أو العصيّة على العدّ والحصر، هو ظهور مقال للزميل الكبير القدر والقيمة الذي كان دائم التألّق والإبداع ميشال أبو جودة، صاحب العمود الأول في الصفحة الأولى من “النهار” والذي ذاع صيته وصيت “حقيبة النهار” في أرجاء العالم العربي، بل أرجاء العالم الأوسع.

وتحت عنوان ذهب مثلاً، ما لبثت الأيام أن انقلبت عليه وأعادت مريض الشرق الأوسط إلى سريره: “هدأت سوريا، هدأ كل شيء”.

كان ذلك قبل خمسين عاماً ويوم بالتمام والكمال، جاء في ختامه: “طيلة عشرين سنة كانت سوريا هي الدعوة الوحدويّة وهي قضيّة فلسطين. فهدأت سوريا وهدأت معها الدعوة الوحدويّة. وهدأت سوريا وهدأت معها (على الأرجح) قضية فلسطين. ولكن إلى متى هذا الهدوء؟”.

صحيح أن مَنْ يحكم سوريا يحكم المنطقة، والدعوة الوحدويّة، وقضية فلسطين. ولكن، مَنْ يحكم سوريا؟

بل مَنْ استطاع تهدئة سوريا؟

لو كان ميشال أبو جودة بيننا اليوم، لكان عنوان “حقيبة النهار”: مرضت سوريا فمرض كل شيء. ولكان أوضح لأعمياء القلوب والعقول والفكر والرؤية أن حال لبنان لا يمكن أن تكون إلا من حال سوريا. فإذا أصيبت سوريا بـ”الرَشْح” أُصيب لبنان بالنزلة الصدريّة، وأُدخل غرفة العناية الفائقة، تماماً كما هو حاله في هذه الحقبة الحرجة جداً، وخصوصاً بعد الفراغ الرئاسي.

وبالمقارنة السريعة يقول الواقع إن سوريا، المزروعة بالموت والدمار والدماء، لا تزال هي صحة لبنان وهي علّته.

حتى وهي عليلة في غرفة العناية الفائقة.